الأحد، 29 يوليو 2012

وجهة نظر: بنكيران والاستدلال بالقرآن ...



مباشرة بعد نهاية حلقة برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة ليوم 25 يوليوز 2012 والذي استضاف فيه الصحفي أحمد منصور عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية، بدأت تتناسل التعليقات على المواقع الاجتماعية والمقالات الصحفية على الجرائد الرقمية، لإبداء الرأي حول أداء الرجل وهو يخاطب جمهور المشاهدين عبر العالم وليس فقط بالمغرب.

... ولعل من بين الفقرات التي أثارت الاستغراب وحملت رصيدا محترما من الاستفزاز تلك اللحظة التي شرح فيها بكل يقين وثقة في النفس فلسفته في محاربة الفساد والتي لخصها في قوله للمفسدين ولصوص المال العام كلمة جامعة مانعة هي: باراكا، كفى. هكذا إذن وبكل بساطة.

كلمة باراكا لم يتضمنها البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الذي كان شعاره: "صوتك فرصتك ضد الفساد والاستبداد" ولا أي برنامج انتخابي لأي حزب آخر، كما لم يتضمنها ميثاق الأغلبية الحكومية الذي تضمن بالحرف في الصفحة الثانية عبارة "التصدي للانحرافات واقتصاد الريع والفساد في كل المجالات المتعلقة بحقوق ومصالح وكرامة وحريات المواطنين والمواطنات".

الميثاق لم يقل أن التصدي يتمثل في قول "باراكا" للمفسدين ولصوص المال العام.

أما التأصيل العميق لهذه المنهجية الجديدة فقد استنبطه بنكيران من آية قرآنية كريمة رددها بل استنجد بها ليبرر فلسفته التي قال إنه يعتز بها فقال: "عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه". فما هي يا ترى العلاقة - إن وُجدت أصلا - بين الآية وسياق محاربة الفساد، وهل هناك منطق يسمح بالربط بين موضوع الآية وموضوع الفساد أم أن الأمر يتعلق فقط بمحاولة سطحية لإضفاء غطاء قرآني ورباني على اختيارات تدبيرية تتظاهر بالإصلاح بينما تضمر العجز وغياب الإرادة لتطهير البلاد من الفساد وخاصة عندما تكون للفساد حماية من مستويات عليا في القرار؟ فضلا عن الاعتداء على ذوي الحقوق وضحايا الظلم والفساد بكل أشكاله وأنواعه، والذين لم يعلنوا أبدا رغبتهم في العفو عن المسؤولين عن الفساد ومرتكبي جرائمه مهما كان نفوذهم ومنصبهم، بل ليس لأحد في السلطة أن يقرر مكان ذوي الحقوق ويعفو عن المجرمين.

لا بأس هنا من التذكير بالآية 95 من سورة المائدة كاملة مع الآية السابقة واللاحقة أيضا والتي يدور موضوعها عن الصيد وأحكامه:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) صدق الله العظيم".

التفسير الميسر يورد شرحا للآية 95 فيقول: "يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تقتلوا صيد البر، وأنتم محرمون بحج أو عمرة، أو كنتم داخل الحرم ومَن قتل أيَّ نوعٍ من صيد البرِّ متعمدًا فجزاء ذلك أن يذبح مثل ذلك الصيد من بهيمة الأنعام: الإبل أو البقر أو الغنم، بعد أن يُقَدِّره اثنان عدلان وأن يهديه لفقراء الحرَم، أو أن يشتري بقيمة مثله طعامًا يهديه لفقراء الحرم لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم بدلا من ذلك يوما عن كل نصف صاع من ذلك الطعام، فَرَضَ الله عليه هذا الجزاء ليلقى بإيجاب الجزاء المذكور عاقبة فِعْله. والذين وقعوا في شيء من ذلك قبل التحريم فإن الله تعالى قد عفا عنهم، ومَن عاد إلى المخالفة متعمدًا بعد التحريم، فإنه مُعَرَّض لانتقام الله منه. والله تعالى عزيز قويٌّ منيع في سلطانه ومِن عزته أنه ينتقم ممن عصاه إذا أراد لا يمنعه من ذلك مانع."

هكذا بكل بساطة وكل وضوح، الموضوع بعيد كل البعد عن السرقة وعن الاختلاس والرشوة واستغلال النفوذ للاغتناء السريع وعن التلاعب بالبورصة وعن تمرير الصفقات للأصحاب وعن التزوير وشراء الذمم والفساد المالي والسياسي بشكل عام.

أحمد ابن الصديق

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة