الثلاثاء، 3 يوليو 2012

اعتقال عليوة... عدالة انتقائية


عرفناه وزيرا للتعليم العالي، يتحدث عن هموم التربية وهواجس الأخلاق وأحلام تطوير البحث العلمي. ب»كوسطار» أنيق وجبهة ناصعة البياض، ظل الاتحادي خالد عليوة، طوال سنوات، يحاضر بمدرجات الكلية عن مناهج الاقتصاد النزيه ونظريات التجارة العقلانية. ها هي مناهج ونظريات معالي الوزير والأستاذ المحترم تقوده إلى سجن عكاشة؟
هناك قوم قد يفرحون باعتقال عليوة، لكن أكثر قوم يبتهجون بذلك هم سجناء «عكاشة» أنفسهم، خاصة ال«بيبي» و«خطوطو» وتجار «القرقوبي» والمخدرات. فرحة هؤلاء غامرة ولا تتسع لها صدورهم، كيف لا وقد صار لهم جيران من نوع خاص، جيران «هاي كلاس»، من أمثال بنعلو والإبراهيمي، كانوا يكتفون بمشاهدتهم في نشرة الثامنة والنصف ليلا وهم يتأوهون بين كلمة وأخرى خلف ميكروفونات التلفزة، يشرحون المخططات الخماسية والسداسية والسباعية لتنمية مؤسساتهم. لكن، ماذا وراء الاعتقال؟
جميل أن يتحرك القضاء ويحاسب مسؤولين يشتبه في أن السر في انتفاخ بطونهم هو أكلهم المال العام، لكن من حق المغاربة أن يعرفوا، بشكل واضح وشفاف، خلفيات تحريك هذه الملفات وسبب عدم متابعة مسؤولين كثر وردت أسماؤهم في تقارير أعدها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، والتي كُتب فيها بالأسود على الأبيض ما يشبه صكوك اتهام تدينهم.
لسنا ندافع عن أي شخص، بل نحاول أن نفهم فقط. بعض المتذاكين، الذين يعشقون هواية التحليل السياسي على أرصفة المقاهي، لهم تفسير لسر هذا الانتقاء. يقولون إنه عندما يبلغ الحنق بالناس حدا لا يُطاق، ويضجرون من مطالعة تفاصيل عمليات سطو يومية وجرائم اغتصاب جماعي لثلاثين مليون مغربي على صفحات الجرائد وسلب أموالهم، يتم تقديم مسؤولين كقرابين وأكباش فداء لتهدئة النفوس.
إذا صح هذا التصور فنحن، إذن، أمام عملية انتقاء وسحب للقرعة بشكل اعتباطي غير مؤسَّس على مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاكمة ناهبي المال العام. هكذا، يبدو أنه بعد أن أمضى المغرب سنوات طويلة في تكريس العدالة الانتقالية، أضحى اليوم منشغلا بورش ترسيخ العدالة الانتقائية.. عدالة تختار البعض دون الآخر.
عندما كان الجميع يتحدث عن العدالة الانتقالية كانت ثمة عبارة تتردد على المسامع، وهي «سياسة الإفلات من العقاب». العبارة ذاتها تُلاك في ظل ما يمكن أن نقول عنه «عدالة انتقائية». وهكذا، ورغم اعتقال عدة مسؤولين، فإن آخرين لم يصابوا بأدنى رعاش؛ ورغم الإطاحة بمسؤولين وموظفين عموميين فإن هذه الحوادث ما تفتأ تكون جُملا زاحمت أخبار الرياضة والفن بالجرائد وأحاديث عابرة في المقاهي بين شوطيْ مباراة كرة قدم؛ وبعد مضي وقت لا يعود أحد يذكر هؤلاء المسؤولين المتهمين أو يسأل عن تطورات ملفاتهم وملفات من سبقهم بغير إحسان.
ملفات عديدة فُتحت ولم يُكتب لها أن تغلق. مسؤولون كثر عُرضت خروقاتهم على القضاء دون أن يُعتقلوا أو تصدر في حقهم أحكام بالسجن، حتى إن بعضهم ما زال يزاحم البرلمانيين تحت القبة ويحضر المحافل والمناسبات رغم أن صكوك اتهامه تشيب من هولها الولدان.
تقرير المجلس الأعلى للحسابات في 2010 تضمن أيضا قائمة بأسماء ما يقارب مائة مسؤول سمنوا من المال العام. حكاياتهم غريبة عجيبة، إلى درجة أن مسؤولا بوجدة صرف 18 مليون سنتيم على «منشأة فنية» طولها لا يتعدى شبرا، وآخر صرف ميزانية جماعة منفية قرب بركان دون أن يكتب رقما واحدا بشأن المصاريف ولو على ورق مرحاض حتى، إلى درجة أن قضاة الحسابات لم يعثروا بهذه الجماعات على سجلات وبيانات حسابية.
المشكل ليس فقط في غموض قواعد عملية سحب القرعة التي تختار مسؤولين دون آخرين، بل في أن مئات الجالسين على المقاعد الوثيرة مازالوا يواصلون اجترار المال العام دون أن يُزحزَحوا من أماكنهم. فهل سيتواصل مسلسل الإطاحة برموز فساد أم إن تقارير مجلس الحسابات وما يصرف على ورقها وحبرها وأجور القضاة الذين يعدونها لن تعدو أن تكون هي أيضا مضيعة للمال العام؟

عزيز الحور / المساء

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة