الأحد، 20 نوفمبر 2011

التكوين النقابي: العمال فقراء الى وعي فقرهم الفكري


مصطفى البحري

ظروف العمل و مشاكل الحياة اليومية تجعل أكثرية العمال لا تتجه من تلقاء نفسها الى القراءة و التكوين. و لا يجب ان ننسى انتشار الامية بين العمال. علاوة على ان هؤلاء يأتون الى النقابة بضغط من مشاكل يومية مباشرة و يعتبرون ان المسؤلين النقابيين لهم من العلم و الدراية ما يكفي. لابد إذن من مجهود واع من طرف النقابة لتصليح العمال بالفكر التحرري لكن ما تقدمه النقابات هزيل كما و نوعا.

التكوين الحالي نخبوي:

أنشطة التكوين التي تنظمها النقابات العمالية لا تشمل غير قلة من المسؤولين تاركة القواعد العريضة في ظلمات الجهل و حتى الملاحظون من خارج النقابة أدركوا ذلك. فجوابا على سؤال جريدة النشرة (5 ماي 1996 ) قال الباحث عبد الله بودهرين:
"
يسجل في هذا الصدد نقص مهول يلزم بدل أقصى الجهد لتداركه و أنت سألت عن الوعي و التكوين لدى الاطار النقابي، و لكن المطروح التربية العماتلية و التربية النقابية وسط العمال و ليس للأطر و حسب ، لأنه من واجن النقابات ان تعلم مناضليها وز أطرها على السواء معنى العمل النقابي و الحريات النقابية و التواصل النقابي،، الخ قضية التكوين إذن قضية عويصة و واحد من اكبر التحديات للنقابة، و لسيما الجادة و الأصيلة منها."

التكوين الحالي تكوين قانوني برؤية ضيقة:

تقتصر جهود التكوين النقابي في غالب الأحيان على بعض شدرات من قانون الشغل و يضل تناولها سجين النظرة القانونية السطحية و إذا أخدنا مثالا ما تنشره الجرائد القريبة الى النقابة لا نعثر على دراسات نقابية بل تحاليل قانونية (نموذج كتابات عبد العزيز العتيقي بجريدة الاتحاد الاشتراكي). كما التكوين القانوني علاوة على عيوبه، لا يشمل مجالات أساسية: حوادث الشغل التي لم تنشر أي دراسة نقابية لظهيرها و حتى درؤاسة عمر بن جلون له غير متوفرة منذ ان نشرتها مجلة (المشروع) قبل عشرين سنة. و الضمان الاجتماعي و التعاضديات مجال مهجور بل لم نجد لدى النقابات دراسة نقابية لنظام الحماية الاجتماعية بالمغرب، و النمودج هو تقرير المؤتمر الثالث ل كدش حول الضمان الاجتماعي.
أما بخصوص الندوات الداخلية، فنجد في كراس ندوة التشريع الاجتماعي المنعقد بفندق سود باهية بأكادير من 7 الى 11 دجنبر 1998 نموذجا حيا: انتقاد قانون الشغل باتلمغرب مقنصر على كونه قديما و مشتتا و متعدد الانظمة حسب فئات العمال، و على و عدم تطبيقه بسبب غياب رقابة فعلية و غياب محاكم اجتماعية. كما أـصبح موضة نقابية ذلك الإلحاح على عدم مطابقة قانون الشغل بالمغرب لاتفاقية منظمة العمل الدولية: انها نظرة خاطئة تعتبر تلك الاتفاقيات و التوصيات معيارا مطلقا، بينما هي نفشها متقادمة و متجاوزة في العدديد من جوتنبها علاوة على ان تلك المنظمة هو التوفيق بين العمال و الرأسمال و ليس مصالح العمال فبالأحرى تحررهم.
نقد قاون الشغل الي تتداوله النقابات هم نقد أساتذة الجامعات و السادة المحامين الذين لا يعرفونواقع الاستغلال علاوة على ان 99.99% منهم مشبعون بالإيديولوجية القانونية البرجوازية و أقصى ما يمكن ان تصله نزعتهم التقدمية هوالاشفاق على ضحايا الهمجية الرأسمالية و الدعوة الى تلطيف الاستغلال و تحسين الأوضاع.
النقد النقابي الحقيقي لقانون الشغل ينطلق من مصالح العمال كطبقة يسحقها النظام االراهن القائم على الظلم و النهب. فقانون الشغل وضعته الدولة البرجوازية لتوفير شروط الاستقرار لنظام الاستغلال و لصيانة مصلحة الطبقة البرجوازي ككل ضدا على مصلحة كل رأسمالي فردي قد ينساق الى تدمير قوة العمال و ما يضمنه القانون من مكاسب ليس سوى تمرة الضغط العمالي.
النضال النقابي ليس هو المطالبة بتطبيق القانون. ليسا النقابة مفتش للشغل يسهر على تطبيق القانون. فالفصل 288 من القانون الجنائي هو من تشريعات الشغل لكنه يلغي حق الإضراب لأن يسجن المضربين. فهل نقصده عندما نطلب تطبيق قانون الشغل؟
المناضلون النقابيون يطالبون بتطبيق القوانين التي تحتوي مكاسب و حقوق للعمال و يناضلون لإلغاء تلك التي تكرس استعبادهم. و الهدف النهائي هو التخلص كليا من نظام الاستغلال بقوانينه و مؤسساته.

تكوين بدون مضمون طبقي عمالي:

يتميز التكوين النقابي داخل كدش منذ تأسيسها قبل عشرين سنة بابتعاده التدريجي عن الميول الاشتراكية الأولى ، و اتجاهه نحو تكوين قانونيإداري محض. فالتنظيرات الأولى، في وثائق التأسيس و في العروض المنشورة في جريدة الديموقراطية العمالية في سنواتها الأولى استوحت الفكر الاشتراكي العلمي نسبيا. لكن بدأ ذلك يبهت شيئا فشيئا الى أن انمحى نهائيا. فالى حدود المؤتمر الثاني 1986 بيقت تلك تلك الأثر على مستوى القول على الأقل.
فمقرر التربية العمالية الصادر عن هذا المؤتمر اقترح برنامجا تكوينيا طويل المدى من أربعة مستويات:
التكوين لكل المنخرطين
تكوين للمسؤولين و الأطر محليا و وطنيا .
تكوين اطر فعالة
لجن للدراسات و الأبحاث الميدانية
مهما كان الخلط و اللامنهجية التي طبعت هذا البرنامج فقد ضم محاور هامة لم يبقى لها أثر في برامنج التكوين حالية من قبيل:
التركيبة الاجتماعية بالمغرب
خاصية قوة العمل
تاريخ الحركة النقابية
علاقة النقابي و السياسي
الحركة النقابية العالمية
المؤسسات المالية الدولة
الشركات متعددة الجنسية
العمل النقابي في شروط الأزمة
الى جانب هذه المحاور التي شكلت قرابة 25% من البرنامج طغى التكوين الإداري و التقني من قبيل: إدارة الاجتماعت و تحرير المراسلات و الحاسوب و الإحصاء الوصفي الخ.
انسحاب التكوين الفطري لفائدة التكوين الإداري يتجلى كذلك في تقري أنش\ة دائرة التكوين النقابي برسم سنة 1997-1998 المنشور بجريدة الديموقراطية العمالية العدد 131 بتاريخ 2 أبريل 1999. فالسائد في هذا التكوين هو مواضيع من قبيل:
تقنيات التواصل
تقنيات تنشيط المجموعات
تقنيات التفاوض
فن تنشيط الاجتماعات
و يلاحظ تركيز مفرط على ما يسمى بتقنيات التفاوض أي كيفية تصرف النقابيين أثناء اجتماعات التفاوض. هذا طبعا له أهميته النسبية، لكن الاساسي هو كيف نبني ميزان القوى الكفيل بانتواع المكاسب. فقوة المفاوض هي قوة من يمثلهم. أما إذا انعدمت موازين القوى فلن تفيد مهارة المفاوض مهما بلغت.
كيف نعبئ جماهير العمال على مستوى القطاع برمته و ليس فقط داخل المقاولة؟ كيف نعالج التشتت اتلناتج عن تعدد النقابات؟ كيف نضمن ديموقراطية عمالية حقيقية خلال المعارك؟ كيف نعبئ الأسر العمالية؟ كيف نتعاون مع جمعية المعطلين و منظمات النساء و حقوق الانسان؟ كيف ننظم دعم المضربين على كافة المستويات ؟ هذا هو الجوهري و ليس تقنيات التفاوض المزعومة.
ان التركيز المفرط على التقنيات يفضح الطابع الإداري و ليس النقابي للتكوين الذي تستفسد منه منه بضع عشرات من الأطر. هذا بينما القاعدة النقابية العريضة فريسة لأجهزة الكذب الرسمي و للصحافة البرجوازية و أقلام المحسنين .
اذ اكتفى النقابيون بهذا النوع من التكوين أصبحوا عرضة للإيديولوجية البرجوازية التي ستجعل منهم مجرد خدام للسلم الاجتماعي و التعاون الطبقي أي رجال مطافئ في الصراعات بين العمال و أرباب العمل.

التكوين الضروري:

التكوين النقابي يهم عمالا يلتحق بالنقابة لوجود إرادة النضال لتحسين أوضاعهم في مواجهة الاستغلال. لدى فإن جوهر ما يحتاجونه هو فهم جذور هذا الاستغلالو أدواته و المؤسسات التي تؤبده و سبل النضال ضده. العمال في حاجة الى فهم لماذا هم عبيد لمالكي وسائل الانتاج و ما هو طريقهم للتحرر.
الممارسة النقابية الحالية تعتبر الاستغلال الرأسمالي واقعا لا فكاك منه، و يبقى فقط أن تناوشه لتحسين الحالة، و هو على كل حال تحسين سرعان ما يجهز عليه أرباب العمل و دولتهم و تعاود النقابات عملها السيزيفي. الطبقة العاملة في حاجة الى فهم بنية المجتمع كله، إذ لا يمكن أن تفهم وضعها الا بفهم مجموع البنية الطبيقة. لن فهم الجزء مستحيل دون فهم الكل. " معرفة الطبقة العاملة لنفسها مرتبطة ارتباطا لا ينفصم بمعرفتها معرفة واضحة تامة للعلاقات المتبادلة بين جميع طبقات المجتمع الراهن" أي معرفة مصالح كل الطبقات و تعبيرات تلك المصالح على مستوى المؤسسات و القوانين.
و النقابة لا تمثل العمال في علاقتهم بأرباب العمل فقط بل بالدولة بوصفها قوة سياسية منظمة. و عليها أن تبلور خطأ نضاليا في هذا المضمار، بناء على أراء قاعدتها المعبرة عنها ديموقراطيا. و المثير للسؤال أن النقابات اتخدت مواقف من الدستور و البرلمان دون أن يكون ذلك تمرة نقاش في تنظيماتها. فما هو التكوين الذي تلقاه المناضلون النقابيون في هذا المضمار؟
العمل النقابي ليس فقط لتحسين شروط بيع قوة العمل فحسب بل كذلك استبدال النظام الاجتماعي الذي يرغم المعدمين على بيع أنفسهم للأغنياء. على النقابة أن تدافع عن مشروع مجتمع بديل خال من الاستغلال و الاضطهاد و قائم على ديموقراطية حقيقية لا تكفي بإعلان الحقوق بل توفر للمنتجين و سال تجسيدها و هذا المشروع ال يمكن أن يكون غير نظام الديموقراطية العمالية، نظام تشارك المنتجين الحر.
هذا هو جوهر التكوين الضروري في النقابة، أما قانون الشغل فيجب تجنب النواقص المشار إليها أعلاه و إعداد كراريس تعرف العمال بمكاسبهم التي دخلت القانون و تنبههم الى أضرار قانون الشغل، بدل أن تترك الراغبين منهم في معرفة القانون يتيهون و يضيعون في أدغال النصوص القانونية و يبتلعون محتوياتها البرجوازية.
هذا دور العمال الواعين و لو كانوا مجرد أقلية ضئيلة

المناضل-ة عدد: 7

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة