الخميس، 17 نوفمبر 2011

إصلاح منظومة التربية والتكوين يذهب بريقه

كنت شاهدا على التدخل المباشر للأمهات والآباء وأولياء التلاميذ في تمدرس أبناءهم بإحدى مدارس الدولة . وكانت الأمهات بطل هذا التدخل ، إذ منعن دخول أبناءهم إلى المؤسسة، احتجاجا على الخصاص في الأساتذة . إنها ممارسة جديدة ألهمها السياق السياسي المتوتر الذي يعيش المغرب على إيقاعه. ممارسة قد تفتح الباب أمام نضالات قادمة تكشف زيف السياسة التعليمية ، واستهدافها حق أبناء المغاربة في تعليم جيد ومجاني . إن دستور قطاع التعليم، الذي هو ميثاق التربية والتكوين، واضح في توجهه ، إذ يقدم القطاع على طبق من ذهب للرأسمال الخاص يستثمر فيه ويعيث فيه فسادا ، كما يسمح للدولة برفع يدها عن القطاع، ويتراجع الإنفاق فيه .
الدولة ، دولة الطبقة السائدة، التي توفر لابناءها تعليما جيدا يسمح لهم بالحصول على المناصب الكبيرة بالدولة، أو بخلق مشاريع استثمارية خاصة، في ظل تسهيلات الدولة وسخاءها ، وفي إطار تبعيتها للامبريالية الدولية، مجسدة في الاتحاد الأوروبي والبنك النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية، قد أهدرت حق أبناء المغاربة في تعليم جيد ومجاني ، كما في مستقبل يسمح لهم بخلق تنمية حقيقية، تعود على الشعب والمجتمع ككل بالنفع ، لترتمي في أحضان املاءات أجنبية، تهمها مصالحها أكثر مما يهمها تحرر الشعوب، بفعل تربية ديمقراطية وشعبية ، تكرس السيادة الشعبية .
احتج الآباء والأمهات على تردي تمدرس أبناءهم ، وقد تكون هنالك تجارب في هذا الصدد غير التجربة التي أنا شاهد عليها . ممارسة جديدة ستضع، إن استمرت وانتشرت ، أولائك الآباء والأمهات في الطريق الصحيح من اجل الدفاع عن حق أبناءهم في تعليم جيد ومجاني .
الاحتجاج على تردي تعليم أبناء المغاربة يتراكم شيئا فشيئا ، وقد يكون موضوع هذا الاحتجاج جزئيا وانيا ، لا يمس جوهر الإشكال التعليمي بالمغرب ، الذي هو إشكال سياسة تعليمية غير ديمقراطية وغير شعبية ، لكن ذلك، و في اعتقادي المتواضع، بداية الطريق نحو النضال الحقيقي ، ذلك النضال الذي ملفه الأساسي هو إسقاط ميثاق التربية والتكوين ، باعتباره دستور القطاع .
يحتج الآباء والأمهات اليوم على الخصاص في الأساتذة ، وسيدفعهم ذلك الاحتجاج ويرقي وعيهم ، للاحتجاج على الاكتظاظ مثلا ، أو عن كل الأشكال التربوية المستحدثة التي تعرقل تمدرس أبناءهم الجيد .
إن الدينامية النضالية التي بدأت تنبثق في صفوف أمهات وآباء التلاميذ ، ضد الأوضاع المزرية لتمدرس أبناءهم ، وبمعزل عن بيروقراطية جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، المتعاونة مع الإدارة التربوية ، وحين تتوفر لها الشروط الذاتية والموضوعية ، سيتوصل أولائك الأهل ، عبر حدسهم وعبر تجاربهم ، حتى وان كانت متواضعة ، إلى كون التعليم بالمغرب ، هو تعليم طبقي، يفيد أبناء الطبقة السائدة، ويحرم أبناء الأسر ذات الدخل المحدود، والتي ليس لها دخل ، هذه الأسر التي ما زالت تعول على هذه الدولة في تمدرس أبناءهم، وارتقائهم الاجتماعي ،كما من حقهم في تكافئ فرص التعليم ، الأمر الذي سيحول لا محالة الإشكالات الجزئية لديهم بخصوص تمدرس أبنائهم ، إلى إشكال رئيسي، يدفعهم للمطالبة بتغيير السياسة التعليمية المتبعة في البلاد .
فاحتجاج الأمهات والآباء بمعية أبناءهم عند أبواب المدارس سلوك صحي ، يحرج بيروقراطية جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، الغارقة في شراكة واهمة تلحق تلك الجمعيات بالإدارة التربوية وتنزع عنها استقلاليتها ، كما انه سلوك طبيعي للرد على استهتار وتلاعب الدولة بمصير أبناء المغاربة الدراسي والتربوي . إن تنامي ذلك الاحتجاج وانتشاره هو الكفيل بوقف نزيف الهذر المدرسي بالنسبة للملايين من أبناء المغاربة ، وهو القادر على إرغام الدولة على التراجع عن سياستها التعليمية المتعاونة مع الامبريالية الدولية في تسليع التعليم ، وفي القضاء على كل بعد عمومي لهذا التعليم .
إن حق التلاميذ المغاربة في تعليم جيد ومجاني لا يمكن أن ينتزعه ويحصنه غير الأمهات والآباء ، إما عبر جمعياتهم الديمقراطية والكفاحية ، وهي نادرة ، وإما عبر مقاطعة أبناءهم للدراسة كورقة ضغط أساسية القادرة على انتزاع ذلك الحق والحفاظ عليه . من دون ذلك فالدولة ، وبمعية أحزابها ونقاباتها وجمعياتها ، سائرة في بناء آخر صرح من صروح السياسة التعليمية غير الديمقراطية ولا شعبية .
احسين 30/10/2011

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة