الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

الطبقة الوسطى المغربية والوضوح المطلوب




الطبقة الوسطى المغربية والوضوح المطلوب

من احتجاجات رجال التعليم أمام الوزارة بالرباط
( لاحظ تقرير حول " الطبقة الوسطى التونسية " نشر في 17 /5/ 2010 " ان المجتمع التونسي يتميز ببنية اجتماعية متجانسة مطبوعة بوجود طبقة وسطى مندمجة بقوة ، ويعد ذلك عامل تعزيز للسلم وللحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ولكن التقرير نفسه يلاحظ كم أن هذا الاستقرار هش، ويضيف ان استدانة الأسر موزعة على قروض السكن، والسيارة، والتعليم الجامعي، والاستهلاك الجاري...وهذا ما يمثل الوجه الأخر لميدالية الرخاء الاجتماعي..." ويسجل التقرير أنه في 2008 وصل عدد الأسر الرازحة تحت الدين 800,000 شخص" )

ومن هنا يمكن أن نستنتج كيف أن "الطبقة الوسطى " التونسية مالت الى سحب تأييدها للنظام ووسعت من دائرة الاحتجاج الذي تحول الى انتفاضة شعبية أطاحت برأس النظام.
بالمغرب يختلف الوضع عما هو عليه بتونس، فعلى عكس نموذج بنعلي، طبق الحسن الثاني سياسة اقتصادية واجتماعية لإضعاف " الطبقة الوسطى " المغربية، من خلال النظام الضريبي وضعف الأجور وتجميدها وفصل الجامعة عن عالم الشغل و تأزيم المدرسة المغربية وتفريغ البادية من سكانها وغزوها للمدن ... وكانت هذه السياسة جوابا على انخراط فئات واسعة من "الطبقة الوسطى" في المواجهات السياسية الكبرى التي شهدها عهده. بالنسبة للقوى الديمقراطية انذاك، كان عمقها النضالي والاحتجاجي هي المدينة باعتبارها حاضرة تضم الجامعة والمصنع والخدمات الحديثة التي تساعد على انتشار الفكر التقدمي التحرري. وقد ساهمت سياسة الحسن الثاني في تطويق هذه الحاضرة وتشويهها بأحزمة البؤس ونشر الفكر الديني والخرافي ونهج سياسة التضبيع في التعليم والاعلام الرسمي، ثم في أخر أيام حكمه تدشين سياسة احتواء هذه النخب التي انطلقت مع حكومة "التوافق".
بعد وفاة الحسن الثاني، لم تتغير استراتيجية النظام بقدرما تغير أسلوب التعامل مع " الظبقة الوسطى"، و يمكن تسجيل بعض المحاولات طيلة العقد الماضي، بعد أن انتبه الحراس الجدد للنظام إلى خطورة الأدوار التي تقوم بها " الطبقة الوسطى" ووقوفهم على عزوفها السياسي والانتخابي في أول انتخابات تجرى في عهد محمد السادس.
في هذا الاتجاه قام النظام بمبادرات محتشمة لكنها مدروسة بعناية فائقة، فخفف من بعض الطوق الضريبي، ثم استمال رأس " الطبقة الوسطى " القابل موضوعيا للاندماج العضوي في النظام والمكون أساسا من شريحة لا يستهان بها من ذوي المراتب الوظيفية والمهنية العليا، كما استمال عناصر مهمة من تقنقراط و سياسيين ونقابيين وناشطين جمعويين ومثقفين وصحفيين، عبر تعيينهم في لجن استشارية ووظيفية .. ووضع صناديق أو مؤسسات اجتماعية اضافية لموظفي الدولة، بعد تقديم بعض مؤسسات القطاع العام للخوصصة ( الاتصالات، تدبير توزيع الماء والكهرباء ، لاسامير، وتفويت أراضي وضيعات الشركات الفلاحية العمومية..) وقدم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للنخب المحلية ولامتصاص غضب جزء من المعطلين عبر دفعهم لتأسيس جمعيات تناثرت بمختلف مناطق البلاد كالفطر.. كما بادر النظام وتحت ضغط الربيع العربي ونسخته المحلية 20 فبراير، إلى تحريك عشوائي وجزئي لسلم الأجور لضمان سلمية وحياد مكونات أخرى من " الطبقات الوسطى" ، وهو ما يفسر عمليا عدم انخراط هذه المكونات بشكل وازن في الحراك الاحتجاجي.
غير أن كل هذه المبادرات هي بمثابة در للرماد في الأعين. لأن ما تلتقطه هذه الفئات يأخذ منها باليد اليسرى. فالزيادة في الأسعار تتم تدريجيا وبشكل تسلسلي شملت أهم المواد الاستهلاكية. واذا كان ما يميز هذه الفئات عن غيرها هو مدخولها القار، فان غالبية عناصرها أصبحت مكبلة نتيجة نمط عيشها الجديد، بديون السكن والسيارة ومصاريف أخرى كالدراسة والتطبيب..هذا الواقع المعقد جعل "الطبقة الوسطى" المغربية تعيش وضعية المرأة التي تعاني من عرض وهم الحمل. فنمط الاستهلاك البنكي بفوائده الطويلة الأمد خلق لذيها نوع من النزوع للمحافظة والاستقرار الوهمي الزائف.
في مثل هذا الوضع برز رأي يدعو الحركة الاحتجاجية للوضوح حتى تكسب ثقة " الطبقات الوسطى" وتجرها للشارع الاحتجاجي. وعلى الرغم من أن الحركة واضحة في مطالبها وأهدافها، وسقفها هو " الملكية البرلمانية " من خلال إقرار دستور ديمقراطي شعبي، وإسقاط الفساد والاستبداد كشعار ناظم لكل حركات التغيير بالربيع العربي،سنجد أن العامل الرئيس الذي من شانه يزحزح هذه " الطبقة " عن " حيادها " ويجنبها الوقوع في وهم المحافظة ويزيل مخاوفها التي ضخمها الاعلام الرسمي وشبه الرسمي، هو وضوح الأحزاب السياسية ذاتها من خلال تحديد تموقعها السياسي مع المعطيات الجديدة التي خلقتها 20 فبراير. بمعنى أخر، إذا كانت مطالب الحركة واضحة وسقفها منسجم مع ما راكمته القوى اليسارية والديمقراطية، وأن غالبية شبابها، و مناضليها ومناضلاتها والمتعاطفين معها، منحرطون بحماستهم النضالية في هذا الحراك الاحتجاجي، فان الوضوح الذي يمكن أن يدفع بفئات واسعة من " الطبقة الوسطى" الى الاطمئنان لنزولها الى الشارع، هو وضوح هذه الاحزاب والنقابات والمنظمات وخروجها من دائرة الغموض والازدواجية التي لازالت تميز حضورها في الحراك الشعبي.
هذه الازدواجية التي نلمسها مستخفية وراء نقد استباقي لحركة الشارع، تارة بالتحفظ عن تنظيم المسيرات بالأحياء الشعبية، وتارة أخرى بانزال الجدل الايديولوجي( رغم أهميته نظرا لمشاركة قوى حاملة للفكر الديني ) وتغليبه على الجدل السياسي في صفوف الحركة الاحتجاجية.
ان المطلوب من هذه الأحزاب، وخاصة التي قاطعت الاستفتثاء، هو أن لا تعود للمربع المخزني، فعودتها لن تكون فقط لقاعة الانتظار كما نبه الأستاذ محمد السياسي، وانما ستكون أيضا انتحارا سياسيا وسط غليان الشارع المغربي .
الانتخابات القادمة في مثل هذه الأوضاع هي تأكيد مسبق على استمرار نفس البنية المخزنية بوجوهها وأساليبها المعهودة، و تتأكد اليوم جدية الذين يقولون أنه يصعب القطع معها بدون اصلاحات عميقة تطيح بالرؤوس الكبيرة المسؤولة عن تعفن الوضع السياسي، في المقابل، تأسس عشية الاعلان عن الانتخابات المقبلة تكثل أحزاب الادارة وراء حزب صديق الملك والحضوراللافت لرموز الفساد عبر القنوات الرسمية أومن خلال الحفلات الصاخبة بالمدن والقرى والحملات السابقة لاوانها .. نستشف من مقدمة ذلك أن نسبة العزوف ستكون أقوى ومعبرة سياسيا بما سيحرج كل القراءات والتأويلات السابقة. بل يمكن التكهن من الآن على أننا سنسمع ابانها، دوي سقوط الحزب " القاطرة" الذي قيد خطه السياسي بالانتخابات وبالمشاركة في الحكومة ( وغضبة عمدة أكادير هي طلب مستعجل للنجدة بعد أن سحب المخزن كل المدن الكبرى من هذا الحزب ورمى به بالعالم القروي) .
نعم يجب الوضوح، غيرأنه هذه المرة مطلوب الوضوح من القوى التي أخرجتها 20 فبراير من قاعة الانتظار. بأن تعيد تحديد أولوياتها بناءا على ما سيترتب عنه الوضع العام من تفاعلات، سيكون فيه الشارع بتناقضاته ورقة أساسية لتحديد مضمون التغيير الذي يتطلع اليه المغاربة قاطبة. وهذا الوضوح هو الذي سيضع حدا لتردد "الطبقة الوسطى" المغربية ويجرها الى قلب الصراع السياسي العام من جديد.
محمد السلايل

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة