الأربعاء، 15 أغسطس 2012

متى كان التعليم في المغرب مجانا؟


ما أشبه الكتابة لحظة سخونة الرأس، بقطع اليد دون الشعور بألمها، بل ورميها للكلاب أيضا!؛ لذلك التزمت الصمت بقدر ما يحقق مسافة لتأمل الحدث المزعوم، الذي صنعه ببرودة أعصاب السيد «لحسن الداودي» وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، حين أطلق باللسان لغاية الآن، مشروعا يسعى للحد من مجانية التعليم العالي؛ وقد قال بالحرف: «إذا كان هناك إجماع للمغاربة على الميثاق الوطني للتعليم، فقد تضمن مبدأ أداء رسوم التسجيل في الجامعات التي يجب أن تدخل حيز التنفيذ بعد ثلاث سنوات من بدء الإصلاح، ولكن لا أحد تجرأ على ذلك، ولهذا أقدمت على طرح مساهمة الأسر الميسورة دون أن أستشير أحداً كمسؤول عن القطاع، لأنني لا أنتظر الإشارات حتى أتحرك»؛ لن ننهال بمعول النقد جازمين أن الأمور يجب أن تكون شورى بيننا كما عودنا ديننا الحنيف، ما دامت ثقة السيد الوزير في مستقبل الأصابع الطويلة لهذا المشروع، أكثر من الثقة التي أبدتها نفوس المواطنين والطلبة الذين سيضطرون إلى تحسس الجيب قبل الرأس والدرهم قبل العِلم؛ ولكن أليس في هذا السخط العارم على هذا المشروع الذي يراه الكثيرون غير مشروع، بعض التجني على السيد «لحسن الداودي» هذا الرجل الطيب، الذي لم يصنع شيئا سوى أنه وضع للتعليم الذي أصبح لعبة في يد كل من يُتقن البيع والشراء في أدمغة المواطنين، قواعد براغماتية تعيد الوفير من المال السائب إلى خزانة الدولة؛ هكذا يتسنى تحصيل العلم بتحصيل المال!؛ حقاً لم يصنع شيئاً هذا الرجل الطيب، لأن التعليم في بلدنا، لم يكن يوماً مجاناً، فإلى جانب كتل الكتب المدرسية التي يدفع الناس سنوياً، دماء جوفهم، لشراء أكوامها التي ينوء بثقلها الجبل فبالأحرى الطفل، ثمة أيضاً شبح الدروس الخصوصية التي تستدعي من الأسر المغربية، مبالغ هائلة، ليس فقط لدعم وتقوية الملكات الدراسية للتلميذ، إنما للتغطية أيضاً على فشل التعليم الحكومي؛ لكن هيهات أن يغطي ورق التوت، عورة عُرضة للريح..!
إذا فالتلميذ لا يدرس في المغرب «فابور»، ولن يصل الجامعة إلا وقد نشف والداه من كل مَرَق حتى العظم، وحتماً لن يزيده هذا المشروع النفعي الجديد، إلا شعوراً بالتمزق النفسي أنَّ ثمة سقفاً تعليمياً يجب أن لا يتجاوزه مهما طال بالرأس؛ وحتى لو دَلَّينا الحبل على الغارب، ومضينا مع السيد الوزير في هذا الطرح الذي لا ينتج خبزاً، فما الذي يعنيه بأن الأداء سيكون مقتصراً على فئة معينة؛ أي الطلبة أبناء الأسر الميسورة، لإنقاذ الضغط الناتج عن تدفق جحافل النجباء إلى الجامعة، بعد النجاح في الباكلوريا؛ أليس يخلق هذا الحاجز النفسي بين الطالب الغني والفقير، صنفاً من التمايز الاجتماعي الطبقي في الحرم الجامعي، الذي لم يكن ينقصه إلا هذا الفتيل ليندلع إيديولوجياً؛ حقاً لم يبق إلا أن ننشئ جامعات خمس نجوم، ما دام العلم غدا يُقاس بكم تدفع وليس كم ارتقيت في سلمه المعرفي من الدرجات؛ أمَّا وقد آثر السيد الوزير أن يعالج الأزمة بالأزمة، فلا نملك إلا أن نهمس في أذنه الصاغية، إن الموسرين الحقيقيين الذين يرصدون لدراسة أبنائهم الثروات، إنما يُصَدِّرون هؤلاء الأبناء كالسمك الأبيض إلى المعاهد العليا خارج المغرب، ولا يتبقى لنا من خيرات البلاد، إلا الحسرة في هذا الزمن الرديء الذي اندحرت فيه القيم الانسانية المُثلى والمبادئ النبيلة، وانقلبت الحكمة الأثيرة التي نعرفها جميعاً على دُبرها، لتصبح: لولا الأغنياء لضاع العلم على الفقراء..!

محمد بشكار / العلم

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة