الاثنين، 10 أكتوبر 2011

وزارة التربية الوطنية والبوصلة المفقودة

وزارة التربية الوطنية والبوصلة المفقودة



لا تنبثق الحكومات في الدول المتقدمة إلا من صناديق الاقتراع، وهي حكومات مسؤولة أمام الشعب، تقدم له الحساب في نهاية الولاية التشريعية، ويحاسبها الشعب على كل صغيرة اجترحتها، وعلى كل كبيرة اقترفتها، لذا تجد الوزير يحسب لكلامه ألف حساب قبل التلفظ به، ولا يتخذ من القرارات إلا ما يخدم أجندته وأجندة حزبه الذي يمثله، ولا يقطع على نفسه وعدا إلا إن تأكد من قدرته على إنجازه وأجرأته.
وإذا ما حصل العكس، فإن الوزير يبادر إلى الاعتذار أو إلى تقديم استقالته، احتراما للشعب وتقديرا له، وإذا ما أصر على استمراره في منصبه فما عليه إلا ارتداء الدرع الواقي من سهام الصحافيين ورماح النقابيين، وأن يصبر على تمريغ وجهه في الوحل في الحملة الانتخابية.
هذا عن الدول المتقدمة، أما نحن، فلا إعراب لنا هنالك، ولا مكان لنا بين أولئك، وللوزير الحق أن يقول ما شاء متى شاء، وأن يفعل نقيض مقوله، وأن ينقض العهد ...، وكل هذا فرع عن أصل يعتقده ويؤمن به، وهو أن الشعب لا قيمة له ولا دور له، ولو أن الشعب أخذ زمام الأمور بحسم وحزم، وقامت الحركة النقابية بدورها المنوط بها أحسن قيام، وتولت الصحافة مهمتها واستوت على عرش سلطتها، لما كان من وزرائنا ما كان مما ذكرته وما لم أذكره، وخير مثال على اللامبالاة الحكومية بالشعب، ما تجسده وزارة التربية الوطنية من "قيم" وتصرفات، نتحدث عن بعضها بإيجاز عسى أن نعود إلى بعضها في مواعيد أخرى.
نقض العهود
بمجرد ما نزل المجازون من أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي إلى الشارع في الموسم الدراسي الفارط حتى ضغطت أم الوزارات على وزارة التربية من أجل التفاوض مع المحتجين، ما أسفر عن توقيع اتفاق بين الطرفين على الحل في أفق زمن محدد، وهو ما لم يتحقق مما فرض على المتضررين النزول إلى الشارع مجددا وبزخم أقوى من السابق، احتجاجا على نقض العهد المبرم، مما جعل كثيرا من رجال التعليم يفقدون بعضا من الثقة المتبقية في وزارتهم.
أما الدكاترة العاملون بالقطاع المدرسي، فقد أمضوا أربعة عشر شهرا من التفاوض مع الوزارة في شخص مدير الموارد البشرية، توصلوا من خلالها إلى اتفاق غير مكتوب بحضور النقابات الخمس، مفاده حل المشكل على ثلاث دفعات في أفق 2012، ثم تملص كبار الوزارة من الاتفاق، فكان الحل سرابا حسبه الدكاترة ماء، وكانت أشهر التفاوض عجافا ظنوها سمانا، الهدف منها ربح الوقت وتهدئة الوضع، ولا حرج في نقض الوزارة للعهد، إذ لا حسيب من قبل أو من بعد.
عدم الدفاع عن القطاع وأهله :
لا غرو أن الوزير هو المسؤول السياسي الأول على القطاع، فكما يجب عليه أن يبادر إلى وضع قوانين وتشريعات لفائدة الأطر العاملة في قطاعه والدفاع عنها باستماتة أمام البرلمان ووزارة تحديث القطاعات العامة، فكذلك عليه أن يكون الدرع الواقي لأطر الوزارة من قسوة جهات أخرى، أهمها :
• وزارة الداخلية :
بمجرد ما تنزل احتجاجات الشغيلة التعليمية إلى الشارع يجبَر الوزير ومرؤوسوه على التحاور والاستماع إلى همومهم ومشاكلهم قصد التعاون معهم من أجل حلها ووضع حد لمرارتها التي يتجرعون مع ذويهم كؤوسها في حياتهم اليومية، كل هذا من أجل التنفيس عن الاحتقان المجتمعي وتوقيف الحركة الاحتجاجية في بداياتها قبل أن تتأزم الأوضاع وتتدخل السلطة العمومية في الشارع العام لضرب وركل المحتجين وسبهم بأقذع وأحط الكلمات، ما يسفر عنه كسور ورضوض جسدية، إضافة إلى الجروح والندوب النفسية التي تتركها هذه التصرفات في وجدان ونفوس رجال التعليم قاطبة.
السؤال المطروح هو : من المسؤول عن كل هذا ؟
أرجال التعليم ونساؤه ؟ هم ليسوا هواة إضراب ولا محترفي احتجاج، والدليل على ذلك أنهم لم يسهموا في تأزيم الوضع في نهاية الموسم الدراسي المنصرم – وكان بإمكانهم ذلك – فانخرطوا في إنقاذ الموسم من البياض الذي كان يهدده.
أوزارة الداخلية وأسطولها ؟ لا نبرئها من ذلك، وهي التي أرسلت كتائب من رجالها الأشداء بعصيهم وخوذاتهم لإسكات حملة القرطاس والقلم.
أوزارة التربية الوطنية ؟ لا مجال لإبراء ذمتها مما حدث، وهي المسبب في كل ما حصل، والقاعدة أن المسبب كالمباشر، لأنها إن لم تطلب من الداخلية أن تتدخل فإنها سكتت عن الفظائع، والساكت كالفاعل، والأجدر بالوزارة ومسؤوليها أن ينددوا بكل ما يهدد سلامة وصحة الشغيلة التعليمية، وأن يكونوا حماة لهم، يكلأونهم بوافر العناية وسابغ الرعاية، وهذا ما لم يحصل.
• وزارة المالية :
أحيانا ما تمتد أيدي وزارة المالية إلى قوت شغيلة التعليم، وهو إجراء تعسفي غير مبني على أساس قانوني، خصوصا وأن القانون المنظم للإضراب لم يصدر منذ عقود، وقد ذاق رجال التعليم الأمرّين في السنة المنصرمة جراء هذا الإجراء بغية إسكاتهم وإخراس أصواتهم، ولا زالت رواتب بعضهم موقوفة منذ شهور وإلى حدود كتابة هذه السطور، وكان حريا بوزير التربية الوطنية الذي يدافع مع عائلته السياسية عن المشروع الحداثي أن يقف سدا منيعا أمام سياسة قطع الأرزاق، وأن يكون الدرع الواقي لأطر وزارته مما يتهددهم في جسدهم ورزق عيالهم، وهذا لم يحصل أيضا.
سياسة النعامة :
بمجرد ما خرج رجال التعليم إلى الشارع العام متجاوزين نقاباتهم، وبمجرد ما تحلقوا بباب السفراء المفضي إلى القصر الملكي مكسرين بذلك كل الطابوهات الاحتجاجية، كان على وزير التربية الوطنية أن يستقبل الرسالة وأن يقرأها جيدا : "معالي الوزير، السكين وصل إلى العظم".
هل وصلته الرسالة ؟ هل قرأها ؟ هل فهمها ؟
ما أظن، فكان ما كان من احتجاجات نوعية، منها اقتحام الوزارة، وهذا ما تخوفت منه الوزارة هذا الموسم، فأقدمت على حل سحري وجذري، وهو تعلية السور الحديدي المحيط بمقرها، لينعم الوزير ومن معه بالهدوء داخل المكاتب الفارهة، ظنا منهم أن كل شيء على ما يرام، ولنا مع هذا الإجراء ثلاث وقفات :
الأولى :
السياج الحديدي المحيط بالوزارة والذي أنشئ منذ عهد الأستاذ الحبيب المالكي غير قانوني، لأنه ترامي على الشارع العام واحتلال للملك العمومي، ولا يحق للوزارة الاستحواذ عليه تحت أي مسوغ، وعلى مجلس مدينة الرباط أن يتخذ الخطوات اللازمة لاسترجاع باحة الوزارة للعموم، وإذا ما سكت المجتمع عن هذا الاحتلال فإن كثيرا من الساحات العمومية ستتم قرصنتها وتأميمها من قِبل الإدارات والوزارات المتاخمة أو المقابلة لها من أجل إبعاد المحتجين والمتضررين عن جدرانها ونوافذها.
الثانية :
بعد الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة لرجال التعليم في الموسم الدراسي السابق، وعدم إيجاد حل جذري للملفات الشائكة، حدست الوزارة أن الموسم الدراسي الحالي سيكون أكثر سخونة وأشد وطأة، فلم تبادر إلى الحوار الجدي أو إلى تقديم وعود أو حلول، بل تفتقت عبقرية القائمين على شؤونها إلى حل جذري وسحري سيحل جميع المشاكل لا محالة، وهو تعليتهم للسياج الحديدي بشكل يحول دون اقتحامه وتجاوزه، وهذا إنجاز عظيم، قد يُضمنه البام في حملته الانتخابية ضمن منجزات ممثله في الحكومة، وقد يدرجه ضمن برنامجه الانتخابي حيث سيعِد الشعب بوضع المتاريس أمام الوزارات التي سيتحملها في الحكومة المقبلة.
الثالثة :
يعد السياج الحديدي للوزارة نموذجا صارخا للتضارب بين أقوال الوزير وأفعاله، وهو الذي دعا في السابق إلى إزالة جدران المؤسسات واحتضانها من لدن المجتمع، فكان حريا به أن يبدأ بباب بيته، وأن يزيل السياج المحيط بالوزارة لا تعليته وتقويته.
إن تنصل الوزارة من وعودها ونقضها للعهود المبرمة وهروبها إلى الأمام وتعلية السياج وغير ذلك من القيم والإجراءات تنم عن شيء واحد، وهي أن الوزارة مستعدة لتبني كل المقاربات الممكنة، إلا المقاربة التربوية، فهي أبعد ما يدور بخلدها، وآخر ما يفكر فيه مهندسوها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة