السبت، 10 سبتمبر 2011

التعليم من الإنقاذ إلى الاستعجال

يحتكر المغرب الرقم القياسي العالمي في مجال مخططات إصلاح التعليم، فقد دشن مسيرته "الإصلاحية" للتعليم غداة الاستقلال أي قبل أكثر من نصف قرن. ومنذ عقود أضحى الحديث عن إصلاح التعليم لازمة في الخطاب الرسمي، ولا إصلاح؛ والمجلس الأعلى الذي ظل مطلبا نقابيا لسنوات أصبح جزءاً من أزمة مزمنة لقطاع حيوي يعول عليه ليكون قاطرة التنمية ورافعتها، ذلك أن إحداثه لم يغير واقع تعليم كارثي رغم ما ضُخّت في ميزانيته من ملايير. سنة 1957م وتنفيذا لتوصيات اللجنة الملكية لإصلاح التعليم اقتُرح اعتماد سلك للإنقاذ يتمكن من خلاله التلاميذ غير المتعلمين من ولوج المدرسة لتعميم التعليم في أفق سنة 1963م، ورغم تعثر المشروع فقد قفزت نسبة التمدرس من 17% سنة 1956 إلى47% سنة 1965، ما أشّر إلى إمكانية القضاء على مشكل الأمية والانتقال إلى مجتمع متعلم يُسهم بفعالية في بناء مغرب الاستقلال. غير أن ذات النسبة ستتقهقر لتستقر في 33% سنة 1975 نتيجة تطبيق تعليمات المذكرة الصادرة عن الديوان الملكي في شهر غشت سنة 1965 والتي اعتبرت ما حققه مشروع الإنقاذ يتسم بالتسرع والارتجال، وأن إشاعة "الثقافة العليا حِلية للفكر لا مُوجب لنشرها" في ذلك الوقت، كما أن ارتفاع عدد المتمدرسين ستترتب عنه أعباء كبيرة على ميزانية الدولة. ومتى كان تعليم الشعب مشكلة؟ ومع توالي صدور تقارير المؤسسات المالية الدولية ـ البنك الدولي نموذجا ـ ومختلف تقارير المنظمات العالمية مصنفة المغرب في الرتب الأخيرة عالميا، وبالنظر لتبعات ذلك التصنيف سواء في الاقتراض أو جلب الاستثمار الأجنبي اضطر المغرب لتبني مخطط التعليم الأساسي ـ مخطط يختزل في الأوساط التعليمية بنظام الخريطة المدرسية أي انتقال التلاميذ بحسب المقاعد المتوفرة لا بحسب المستوى ـ ابتداء من سنة 1985 في سياق برنامج التقويم الهيكلي للاقتصاد الوطني، ليُجهز على ما بقي من مردودية نوعية للقطاع ككل، ويعمق بالتالي الاختلالات في المنظومة التربوية التي لم ينجح الميثاق الوطني للتربية والتكوين ـ الذي شُرع في تنزيله سنة 2000م وأُعلن فشله قبل أن ينهي عشريته ـ في معالجتها، مثلما فشل البرنامج الاستعجالي. برنامج استعجالي لخص معضلة المنظومة التربوية في التمويل فسخرت الدولة الملايير دون طائل، إذ ما زالت ذات الاختلالات تنخر الجسم التعليمي، بل وتهدد الاستقرار المجتمعي من خلال: ـ التدني الكبير للمردودية الخارجية المتمثلة في عدم الاستجابة لحاجيات سوق الشغل. ـ زعزعة منظومة القيم للمجتمع من خلال تكريس منظومة تربوية لا قيمية، حيث يتم التمكين لثقافة الاستلاب والتمييع التي يُغذّيها توجه رسمي للدولة، وترعاها سياسة إعلامية وثقافية تُرصد لها أموال طائلة من مال الشعب. ـ انتشار الأمية واتساع قاعدة الجهل وما يترتب عنه من ظواهر انحرافية كالجريمة المنظمة وتعاطي المخدرات. إن بلدا له من الإمكانيات التي يتوفر عليها المغرب يجب أن يكون بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال قد قطع العهد مع الأمية والبطالة والفقر، ليعيش أبناء الشعب حياة كريمة، ويتبوأ المغرب مراتب مشرفة بين الأمم، وإلا أين نحن من بلدان كان المغرب أحسن منها حالا في الستينات من القرن الماضي كماليزيا وأندونيسيا بل وإسبانيا. فكيف تقوم للمغرب قائمة تنمية وتقدم وريادة في عالم التنافسية المعرفية والعلمية في غياب تعميم تعليم بجودة عالية وتخريج كفاءات ومهارات عالية التخصص في مختلف الميادين فيما يبقى البعد الكمي هو الهاجس الذي يُطلب لتبرير الملايير التي تبذر سنويا على منظومة في طور الموتالسريري بعد سنوات في قسم المستعجلات؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة