الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

عندما تعيق المدرسة إصلاح الجامعة

كم يسهل اليوم على كل المجتمعات أن تقوم بنسخ وتقليد جميع برامج العمل والآلات والتقنيات والبرمجيات المستخدَمة في الإنتاج والخدمات من أي مجتمع آخر، عدا العنصر البشري، الذي هو العنصر الوحيد غير القابل للنسخ أو التقليد، ففي كل مرة نصادف في مطاراتنا ومحطات القطار وفي إدارات القطاع الخاص أجهزة وتقنيات وإستراتجيات جديدة لتسهيل الخدمات، لكنْ هل يجعل هذا «النسخ» من مغربنا مجتمعا حديثا؟
يمكن تعديد زوايا النظر إلى المسألة، بالقياس إلى أن تنمية الرأسمال البشري تتعدى حدود المقاربات العلاجية التي تتبنّاها الجامعة المغربية، كخلق هذا المسلك أو ذاك، لتكون في المقام الأول فلسفة للحياة، ينبغي أن تكون مرافِقة للتربية منذ السنوات الأولى للتكوين، والدليل على ذلك أن أغلب خريجي الجامعات ممن استفادوا من التكوين في المسالك الجديدة ما يزالون يفضلون «راحة» الوظيفة العمومية على تنافسية القطاع الخاص ويفضلون المكاتب المهترئة في قرى الهامش المُهمَّش على المقاولات الحديثة في المدن الكبرى، فالمسألة، بكل تأكيد، لها خلفية نفسية عند المغاربة، تجعلهم يُفضّلون الكائن على الممكن و»المضمون» في أيديهم على المأمول في اجتهاداتهم.. ويصعب، بالتالي حل هذه العقدة بدون عمل قاعدي يُرسّخ قيّم العمل والإنتاجية عند الأطفال.. فمن شبّ على ثقافة الغش والاستجداء وشراء النقط في المراقبة المستمرة، منذ التعليم الأساسي، يعلم، وهو معدَم الكفايات والقدرات، أنه لا مندوحة له من التوجه للوظيفة العمومية، لأنها هي التي تقبل بالغث والسمين، نزولا عند ضغط الظرفية الاجتماعية والسياسية...
فإلى يوم الناس هذا، ما تزال الأغلبية العظمى من التلاميذ في المدرسة العمومية لم يلتحقوا بمدارسهم، لتكتمل ثلاثة أشهر فعلية من العطلة بالنسبة إلى أغلبية تلاميذ المستويات التعليمية العمومية، وعند تلاميذ بعض المؤسسات التعليمية، بدأت العطلة في منتصف ماي وما تزال مستمرة إلى اليوم، أي ثلث سنة بدون تعليم وتعلم. ولنتصورْ حجم «الثغرة» التي ستُخلّفها أربعة أشهر متتابعة من العطلة على التكوين العقلي والنفسي للمتعلم.. وإذا أجْريْنا عملية حسابية بسيطة لعدد الأيام التي قضاها تلميذ يبلغ من العمر خمسة عشر عاما بدون تعليم، وهي السن الإلزامية التي تصادف انتقال التلميذ إلى التعليم الثانوي -التأهيلي، فإننا نحصل على ما يقارب أربع سنوات، أي أزيد من 1300 يوم بدون تعليم وتعلم.. ويضاف إلى هذا الهدر الخطير لأزمنة التعلم تخلي أُسَر التلاميذ في التعليم العمومي، بطريقة شبه نهائية، عن أدوراها التربوية، المتمثلة في المتابعة والدعم والتقويم المندمج، وانحصار دور المؤسسات الثقافية والرياضية المدنية، والتي كانت تقوم، إلى وقت قريب، بأدوار تعليمية رائدة. وفي المحصلة، ننتج تلميذا للتعليم الثانوي -التأهيلي بمؤهلات كفائية ومعرفية لتلميذ ابتدائي، أي بخصم السنوات الأربع المهدورة من خمسة عشرة سنة. يكفي أن نقول إن هناك تلاميذ عاجزين عن كتابة شُعَبهم ومسالكهم باللغة الفرنسية والإنجليزية، فيكتبون، مثلا، شعبة الآداب العصرية باللاتينية كما تنطق، أي «adab asria»، وآخرين لا يُفرّقون بين الاسم العائلي والشخصي (nom et prénom) أما أن يقرؤوا رواية «la boite a merveille»، المقررة في السنة الأولى من سلك الباكلوريا، ويفهموها ويتذوقوا لغتَها فهذا من «مستحيلات» هذا الزمن...
فإذا أضفنا إلى هذا أن 30 (ثلاثين) في المائة من الزمن المدرسي، حسب إحصاءات رسمية، يتم هدرها، سواء بالعودة المتأخرة من العطل أو بالذهاب المبكر إليها أو بسبب الغيابات غير المبررة، ناهيك عن النزيف الكبير الذي تعرفه الحصص كل يوم، لكون التلاميذ لا يلتحقون بفصولهم الدراسية عقب الاستراحتين الصباحية والمسائية إلا بعد مرور ثلث ساعة أحيانا، وأحيانا، وتحت ضغط الخصاص في القاعات، يضطر التلاميذ للتنقل من قاعة إلى أخرى، وهذا يتم اقتطاعه من الزمن المخصص للتعلم. يضاف إلى هذا أن قلة الملحقين التربويين أو انعدامهم يجعل الحراس العامين المكلفين بمنح أوراق الغياب غيرَ قادرين على تأمين عودة هؤلاء التلاميذ إلى فصولهم الدراسية في وقت قياسي، ولا ينتهي الحراس العامّون من هذه العملية إلا بعد مرور ثلث الحصة، وفي أحايين كثيرة، لا يتم قبولهم من طرف المدرسين. ولأن أغلب المؤسسات العمومية لا تتوفر على خطط بديلة لاحتضان هؤلاء التلاميذ، إما لعدم توفر القاعات أو الأطر، فإنهم يخرجون إلى الشارع...
وبالكثير من المال الذي تضخّه الأُسَر في جيوب أصحاب الساعات الخصوصية، تستطيع نسبة كبيرة من هؤلاء التلاميذ الحصول على الباكلوريا والإجازة معا، ليلتحقوا بشوارع الرباط للمطالبة بالشغل في الوظيفة العمومية بالتعيين المباشر دون مباراة، فمن الطبيعي جدا أن تكون الإدارة العمومية المغربية، بعللها المزمنة، هي منتهى «الحلم» بالنسبة إلى تلميذ قضى أغلبَ وقته خارج قاعات التكوين وحصل على الشواهد «هدية»، دون مجهود واجتهاد، فالذين يراهنون كثيرا على الجامعة وحدَها لحل أزمة عدم مناسبة التعليم لسوق الشغل يُخطئون كثيرا عندما لا يقاربون المشكلة في بنيتها الأصلية، فثقافة «الراحة» و«جابْها الله» لا يمكنها إلا أن تُعيق عملية تطوير العلاقة بين الجامعة والمجتمع المغربيّيْن.


المصطفى مرادا
المساء

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة