الاثنين، 5 مارس 2012

أبوبكر القادري : وطني كبير قضى


الجمعة الماضية، وعن سن تناهز ال 97 سنة قضى وطني كبير. إنه أبو بكر القادري، هذا المقاوم، الذي ينتمي إلى «الرعيل الأول من رواد الحركة الوطنية، الذين شاركوا بتفان وإخلاص، في مختلف أطوارها، والذين هيأتهم الأقدار، ليكونوا في طليعة المجاهدين والمناضلين في سبيل استرجاع حرية المغرب وسيادته» على حد وصف جلالة الملك له، كان واحدا من أكبر المستقطبين للمقاومين إلى صفوف المقاومة خاصة بسلا والرباط. الفقيد، الذي قال عنه جلالة الملك في برقية تعزية إلى أهله وذويه إنه كان «من رواد المربين والأساتذة المصلحين المتميزين بالمواقف الثابتة والسلوك القويم، والعطاء السخي، في ولاء راسخ للعرش العلوي المجيد، وغيرة صادقة على ثوابت الأمة ومقدساتها»، هو سليل أسرة مغربية عريقة، إذ بوفاة الشيخ المجدد عبد القادر الكيلاني، استقرت أسرته في الاندلس و مع سقوط غرناطة وتعرُّض أهلها للاضطهاد في محاكم التفتيش، اضطر أحد فروعها للفرار إلى المغرب، من هذا الفرع وُلد أبو بكر القادري سنة 1914، سنتين فقط على وقوع المغرب في براثن الاستعمار. نشأ في أسرة متدينة، فكان والده ملجأ لسكان مدينة سلا، ومرجعا لهم في العديد من القضايا لحل مشاكلهم وخلافاتهم، ومن كثرة توافد المظلومين عليه بحثا عن الإنصاف أصدر الملك مولاي حفيظ ظهيرا يتولى القادري الأب بموجبه العدالة في الرباط. وفي السادسة عشر من عمره قرر أبو بكر القادري دخول مدرسة فرنسية لتعلّم الفرنسية، ما يعني أنه سيزامل مَن هم أصغر منه كثيرا، لكن ذلك لم يزده إلا إصرارا على تحصيل العلم، ثلاثة أشهر بعد ذلك قررت الإدارة أن ينتقل إلى القسم الثاني لتفوقه، ثم إلى الثالث في نفس السنة ، مرحلة تلقى فيها المبادئ الأولى لمهنة التدريس، إذ سيكلفه أستاذه بتصحيح دفاتر زملائه لأنه كان متفوقا . المعلم الصغير ستوقفه الإدارة الفرنسية، عندما دعته معلمة فرنسية إلى الوقوف في الساحة مع التلاميذ الصغار فرفض، لأنه ليس من سنهم، فطلب منه الاعتذار للمعلمة، لكن أبا بكر رفض، لأنه يرى أنه لم يقلل من شأن المعلمة، ولم يخطئ في حقها، فتم طرده من المدرسة. طرد كان بمثابة بداية حركة طلابية ثائرة، حيث أضرب التلاميذ عن الدراسة، فطردت الإدارة بعضهم من المدرسة، ولما جاء بعضهم وسألوه عن الخطوة التي يمكن اتخاذها أمام الإجراء الجائر قرر أبو بكر القيام بحركة قرآنية. في ماي 1930 أصدرت الإدارة الفرنسية ظهيرا بربريا، حاولت من خلاله خلق نوع من الفصل بين المغاربة الذين يتكلمون العربية والذين يتكلمون الأمازيغية، فكان أن وضَع أبو بكر يده على الداء، واختار المقاومة في ميدان التعليم، واتجه بعزيمته إلى تأسيس مدرسة حرة (التعليم بالمجان) بزاوية “ابن عبود”. فكان أن اعتقلته السلطات الفرنسية لكونه صعّد من وتيرة المقاومة التعليمية والثقافية التي اختارها، حيث قام بفتح فرع للمدرسة السابق ذكرها لمَّا كثُر الإقبال عليها؛ لأن المغاربة وجدوا ضالتهم في تعليم ينتمي إلى هويتهم العربية والإسلامية، وفي ذلك التاريخ كانت هي المدرسة الحرة الوحيدة التابعة للحركة الوطنية. في سنة 1934 تقدم عشرة من الوطنيين المغاربة من بينهم علال الفاسي والهاشمي الفلالي والمكي الناصري – وكان منهم القادري وهو إذ ذاك أصغرهم سنا (20 عامًا) – بمذكرة تضم مطالب الشعب المغربي في ميدان الحريات العامة كحرية الصحافة وإصلاح العدالة والقضاء على الفساد، لكن السلطات الفرنسية ماطلت وسوَّفت إلى أن أعلنت رفضها بشكل قاطع سنة 1936. المجموعة عقدت مؤتمرا مصغّرا لصياغة مطالب مستعجلة للشعب المغربي في نفس الوقت الذي تقود فيه مجموعة من المظاهرات، فتم القبض على “أبو بكر القادري” مرة ثانية، ورغم الإفراج عنه فقد لجأ إلى مهد المظاهرات: المسجد، حيث ألقى خطبة احتجّ فيها على إلقاء القبض على مجموعة من الوطنيين، ودعا إلى تنظيم مظاهرات تضامنية، فقاده خليفة الباشا من المسجد إلى السجن مرة أخرى سنة 1937. أثناء استنطاقه في الدار البيضاء خضع للتعذيب، ثم أُنزل إلى قبو وقضى مدة تقرب من 20 يوما لا يتناول فيها إلا الخبز والماء، قبل أن يتم ترحيله إلى “تافينغولت” وهي منطقة نائية بمدينة “تارودانت” في بيت مغلق لا يُسمح له بالخروج إلا نصف ساعة في الصباح ونصف ساعة في المساء. « السجن معيار للثبات والصدق وحسن المعاشرة والإيثار ولا تعرف أهمية هذه المواصفات إلا في الامتحان، والسجن مدرسة من مدارس الحياة الحقيقية، المتخرج منها لا بد أن يحصل على شهادة في معرفة الحياة» يقول الراحل عن فترة السجن قبل أن يُتوج نضاله الوطني بالتوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال.

ياسين قطيب/ الأحداث المغربية

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة