الاثنين، 12 ديسمبر 2011

الطاهر بنجلون.يخاف على السياحة والاستثمارات من الإسلامويين الغرباء عن طبيعة البلد

أحيانا يتساءل المرء عن الأسباب التي تجعل حكومات فرنسية متعاقبة تجود على فرنسيين من أصول مغاربية وعربية بمناصب وزارية مهمة، وقد فعلتها مع عزوز بقاق ورشيدة داتي وجانيت بوغراب، ولكن للحقيقة، الأمر ليس نابعا من كون هؤلاء وصلوا بعرق جبينهم وتدرّجهم بين هياكل الحزب، بل لأغراض انتخابية ولتثبيت مغالطات من قبيل أن المسلمين مندمجون بشكل كبير في الدولة والمجتمع الفرنسيين. ولكن الحقيقة تظهر سريعا، فقد اكتشف عزوز بقاق أنه كان يمثل «العربي في الخدمة»، كما كتب بن جلون، نفسه، يوما، وكشف عن ذلك في كتابين مريرين. وها هي رشيدة داتي تُقاوِم، وحيدة، فِيَلة الحزب الحاكم الذين يريدون فرض الوزير الحالي فيون مرشحا في دائرتها الانتخابية في باريس. ولن تشذ جانيت بوغراب، الوزيرة الفرنسية من أصول جزائرية، عن القاعدة، بأن تلعب الدور المنوط بها ثم يُقذَف بها بعيدا. ولن يشفع لها أي تحمّس في الدفاع المبالغ فيه عن «العلمانية» ولا في «جلد الذات». ومن هنا فتصريحاتها الأخيرة، التي شكلت فضيحة، في الجزم بعدم وجود إسلام معتدل أو «شريعة معتدلة»، ورأت أن حرية التعبير مُحرَّمة في الإسلام، تعليقا على إحراز أحزاب ذات توجه إسلامي الأغلبية في الانتخابات التي تلت الربيع العربي. لا يمكن القول إن مواقف بوغراب، هي بسبب انحدارها من عائلة حَرْكية (الجزائريون الذين فضّلوا التعاون مع الاستعمار الفرنسي ضد أبناء جلدتهم)، بل إن المَنصب هو الذي يُغري بمثل هذه المواقف. ففضيلة عمارة، وهي وزيرة سابقة في حكومة ساركوزي ومن أصول جزائرية، لم تكن بعيدة عن هذا السلوك.


صحيح أن وضعية الذين قَبِلوا المناصب الحكومية مثيرة للغضب أحيانا وللشفقة أحيانا أخرى، إذ لا شيء يُمنَح بالمجّان! ولكن ماذا يمكن أن يبرر مواقف كتاب ومثقفين لا يختلفون عنهم كثيرا؟!


من يقرأ كتابات الطاهر بن جلون عن الثورات العربية يحس بالرتابة والتكرار. فإضافة إلى جهل كبير بواقع المجتمعات العربية. ثمة نفس الإحساس الاستشراقي الذي يهيمن على الساحة الغربية، «نعم لهذه الثورات، ولكننا نخاف من سقوط دول عربية بين أيدي (مسلمين) تارة، و(إسلاميين) تارة أخرى، وثالثة بين أيدي (إسلامويين)». ومن يقرأ ساسة الغرب، لن يجد أكثر من هذا، بل، للإنصاف، إن العديد منهم تفهموا ونأوا بأنفسهم، ولو نفاقا، عن الشجن الداخلي في بلاد العرب.


كنا نتصور أن الثورات ستجعل بن جلون، يتفهم تعقيد الأوضاع التي كان يكتب عنها من بُرجه الباريسي، ولكن لا شيء تغير، بل إنه لم يكتف بتدبيج مقالات استعراضية، كالتي فعل حينما أرسلته صحيفة غربية لوصف «حجّ» صحافي، بل وأصدر كتابين عن الربيع العربي، مثل كثيرين كتبوا على عجل وكأنهم كانوا «يتنبؤون» بها. كتب بن جلون في مقال له بصحيفة «لوموند» بتاريخ 6 ديسمبر (كانون الأول) 2011: أن «الإسلام يجب أن يظلّ في المساجد»، هذه هي نصيحة الطاهر بن جلون، ولكن كاتبنا يتجاهل أن المساجد في المغرب، أصبحت مُراقبة، بدقة، وهي تُغلق فور كل صلاة. فأين الفسحة التي كانت توفرها المساجد منذ بدايتها؟! وإذا كان يخشى أن تؤدي المساجد دورا سياسيا فالنظام السياسي المغربي استغل المساجد والزوايا في عملية انتخابية فريدة من نوعها، في خلط سافر للعلاقة بين السياسي والديني، على الأقل في وجهة النظر التي يريد أن يشعرنا الكاتب بأنه يدافع عنها، من أجل الانتصار للدستور الجديد

.

يُظْهر المقال تأسفا على مغرب كان هادئا، وفجأة يسقط بين براثن أناس غرباء عن طبيعة البلد. وكأن هؤلاء الساسة الجدد (وهو يعني هنا حزب العدالة والتنمية، الذي حقق نجاحات في انتخابات سابقة) أتوا من المريخ، وليسوا مغاربة شبعوا وعودا من حكومات وسياسات سابقة لم تفعل الشيء الكثير لحل الأزمات الاقتصادية والمجتمعية المستعصية.

وكعادة كتابات الطاهر بن جلون السردية يمنح هنا مقاله عطورا وتوابل فلكلورية، تروق كثيرا لقراء غربيين لا يزالون يروننا كما وصفنا رحالة استشراقيون غربيون في قرون مضت، فيتحدث، بشكل مضحك، عن مرشح من الحزب الفائز يَعِدُ الذين صوّتوا لصالح حزبه بمكان في الجنة، وكأن الجنة مِلْكِيَّة خاصة له.


يتحدث بن جلون عن الإسلامويين ويُعلّمنا أنه تم خلقهم منذ فترة طويلة، لا يقول مِن قِبَل من؟ ولكننا نفهم من المقال أن ظروفا عديدة ساهمت في تفريخهم، وسرعان ما نكتشف أن سياسة «غير مسؤولة» للتعريب، ساهمت في ذلك. ويستعرض لنا محطة في حياته لتأييد أطروحته، وجلب تعاطف القارئ الغربي: «في سنة 1971 غادرت وظيفتي كمُدرِّس للفلسفة في نفس اليوم الذي قرر فيه وزير الداخلية تعريب هذا التعليم بهدف غير معلن وهو الحد من اطلاع التلاميذ المغاربة على نصوص فلسفية هدامة». ويتحدث الكاتب، بنوع من الحزن، عن «استبدال نصوص نيتشه وفرويد وماركس وفيبر وآخرين بتاريخ الفكر الإسلامي». ثم يصل به الأمر إلى استعراض فشل سياسة التعريب، ونعرف منه أن النظام لم يكن يريدها سوى لرغبات لحظوية وآنية.. ثم يقفز في خلط عجيب بين عوامل ساهمت في بلورة الظروف الحالية التي أتت بإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، منها «الثورة الإيرانية ونشاط الإخوان المسلمين وأهمية القنوات التلفزيونية القادمة من الخليج العربي، التي يتهمها بالعمل الدعوي، وصناعة المخيال المغربي». مغالطات كثيرة، إذ القنوات الخليجية حديثة العهد، بينما الإخوان المسلمون ليس لديهم نفوذ ظاهر في الساحة المغربية.


ثم يخبط الكاتب خبط عشواء، فيلوم الشعب لأنه لم يتعلم الديمقراطية، لأن 45 في المائة من الشعب لم تذهب للاقتراع، متناسيا، أن قطاعات عريضة لم تقتنع بالدستور الجديد، الذي خيّب آمالها، ولأن الطبقة السياسية أصبحت فاسدة، بسبب بقائها الطويل في السلطة، وحالت دون تشبيب حقيقي للسياسة وفرض الشفافية والمحاسبة.


وبما يشبه صيحة مكتومة يرى أن المغرب ليس قادرا على الدخول في «تجربة إسلاموية»، وهو ما يجعله يخاف من عزوف السياح عن القدوم إلى المغرب ومن هروب الاستثمارات، ثم يقول: «هذه المشاكل الكبرى لا يمكن أن تَحُلَّها الصلاة» وكأن ثمة حزبا سياسيا كان يقول بذلك! ويطالب بن جلون، وكأنه اكتشف الحل السحري (وهو حل تتفق عليه كل مكونات المجتمع المغربي، منذ نشوء الدولة المغربية الحديثة)، بـ«تعبئة عقلانية وإرادة سياسية تجعل من محاربة الفقر والبؤس الأولوية المطلقة».


محمد المزديوي - الشرق الأوسط


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة