الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

كواليس قرار انسحاب العدل والإحسان من حركة 20 فبراير




أسال قرار العدل والإحسان المفاجئ، للبعض، سيلانا من حبر المهتمين صحفيين كانوا أم محللين سياسيين أم وفكرين أم قياديين في تنظيمات وحركات مختلفة، وقد تأرجحت أفكارهم بين التساؤل والاستغراب والعتاب والنقد اللاذع. وفي المقابل لم تبخل أقلام العدل والإحسان في الرد على التساؤلات والنقد اللاذع بما رأته عين العقل والصواب. 
لكن حقيقة اتخاذ القرار بقيت مبهمة لما اكتنفها من غموض وتعليلات مبهمة ومتناقضة، ونسرد بعضا منها مما نشر على موقع الجماعة.
1. يقول مصطفى شكري في مقاله "العدل والإحسان وحركة 20 فبراير.. المبادئ والمواقف": إنه لا يكفي أن يتحدث الفاعل السياسي في معمعان الحركة، وسط دنيا الناس، عن معاني الصدق والوضوح والرحمة والجندية ثم يمضي، بل لابد أن يقترن القول بالفعل، والعلم بالعمل، والتصور بالتنفيذ، فيكون التناغم والتكامل بين طرفي هذه الثنائيات برهان الصدق الحقيقي الذي لايكاد يتنسم عبيره محترفوا السياسة ممن دأبوا على نضال الصالونات وثورية الشعارات فإذا جد الجد لم تقع إلا على ما يجده الضمآن بقيعان السراب والأوهام، أو ألفيت النضال دخل الجبة، وألبس الطربوش، وركن إلى كرسي طالما عاب على الجالس فيه ما يحدثه المكوث عليه من أمراض الاستبداد والفساد" 
قد نسلّم بموضوعية هذا الكلام الجميل ومنطقه الثوري، لكننا نبقى في كنف الاستفهام حول المعني به؟ فهل يقصد عضو الجماعة أعضاء الحركة، الذين تقاسموا مع شباب العدل والإحسان كرم الهراوة المخزنية وضيق زنازن النظام؟ هل اليسار الشريف، وفي طليعته الماركسيون بشتى فصائلهم، هو من يتخاذل حين يجد الجد ويركن إلى الكرسي؟ فاحتجاجات 25 دجنبر برهنت على إخلاصه للعهد خصوصا وأن اليسار، الذي هيمن هذه المرة على الساحة النضالية بعد تخلي الجماعة عنها، رفع سقف المطالب وخص القصر بشعارات نارية على حد تعبير بعض الجرائد المغربية. 
إذا اتهامات السيد مصطفى شكري تبقى غامضة ومبهمة وغير معروف المقصود بها، لذلك نطلب منه الإفصاح ومواجهة المهتمين والمعنيين بالصراحة ولو كانت صادمة وسيجدنا من الشاكرين والمدينين له.
2. في حين يصرح عضو آخر في الجماعة وهو الدكتور عمر إحرشان، من خلال حوار خص به أسبوعية "الوطن الآن" ونشر على موقع الجماعة، بأن هدف الانسحاب من حركة 20 فبراير:"سحب البساط من حكومة العدالة والتنمية، حتى لا تعوّل الضغط من خلال حركة 20 فبراير (على النظام-الكاتب)"، ثم يتدارك ويقول:" الحركة ي مفترق الطرق، واستمرارها يتطلب تغييرا في والسائل والسقف والوثيرة والإيقاع وهو ما نجد فيه معارضة شديدة لدى الآخرين".
فبداية يتحدث الدكتور عن سحب البساط من حكومة العدالة والتنمية، التي تستغل الغليان الشعبي للضغط على النظام، ثم يتدارك ويقول بمعارضة شديدة لتغيير الوسائل النضالية ورفع سقف المطالب. فعن أية وسائل يتحدث الدكتور أحرشان؟ وما هو سقف المطالب الذي عارضه أعضاء الحركة وهي التي رفعت شعار "تكاد..تكاد، ولاّ تخوي لبلاد" (استقم أو ستغادر البلاد- في تلميح لما حصل لبن علي). إذا كان هذا الشعار ليس برفع سقف المطالب وحدة الاحتجاج بعدما كانت المطالب اجتماعية صرفة فماذا يكون؟ لهذا نطلب من السيد أحرشان أن يتفضل مشكورا ويشرح لنا ما المقصود بتغيير الوسائل ورفع سقف المطالب؟
3. من جهة أخرى عبر الناطق الرسمي للجماعة الأستاذ فتح الله أرسلان، خلال حوار خص به موقع الجريدة الإلكترونية "كود" بخصوص قرار الانسحاب، عن فرض جهات داخل الحركة على الجماعة سقفا معينا من المطالب وشعارات لتيارات سياسية متناقضة معها. 
والسؤال المطروح هو كيف يعقل لهذه التيارات اليسارية الصغيرة فرض سقف أو شعارات على أكبر تنظيم بالمغرب؟ أم أن الجماعة ليست بالحجم الذي تريده لنفسها والذي تريد وسائل الإعلام المشبوهة صبغتها به؟
4. وجاء فيما كتبه عضو آخر للجماعة على موقعها وهو الأستاذ محمد الحمداوي:".. الأمر يتعلق بتوجيه للحركة نحو سقف إصلاحي محدود التأثير أصبح يؤدي دورا تنفسيا لغضب الشارع.."
سأترك هذا التصريح دون تعليق الآن لأعود إلى مقالة نشرتها بالحوار المتمدن منذ حوالي سنة، ولا أعتقد أن أحدا يتذكرها اليوم وأقصد مقال "على هامش طلب القنصل الأمريكي". وقد كتبت فيه أن هذا الديبلوماسي الأمريكي طلب لقاءا مع قيادة النهج الديمقراطي، التي رفضت طلبه لأسباب نشرتها في بيان لها على موقع الحزب. كما ذكرت أنها ليست السابقة الأولى لمثل هذا التصرف الغريب، إذ سبق وطلبت السفارة الأمريكية لقاءا مع قيادة جماعة العدل والإحسان وتم لها ما أرادت، وبقيت حيثيات هذا اللقاء خلف ستار حديدي.
حتى نفهم علاقة هذا المقال القديم بموضوعنا لابد من الرجوع إلى ما كتبه الباحث الفلسطيني رام عبيدات في مقاله المنشور بموقع "أندلس بريس" تحت عنوان "الوطن العربي وإيقاع ملامح الصفقة بين الإخوان المسلمين وأمريكا". وجاء من ضمن ما جاء بالمقال، كدليل على هذه الصفقة وقائع كثيرة أسرد منها ثلاثة لأهميتها:
• تصريح الزعيم السلفي يسري حماد بالتطبيع واستمرار معهادة كامب ديفيد مع إسرائيل
• تبرأ الغنوشي، أثناء زيارته إلى مركز سياسات الشرق الأدنى في واشنطن من مواقفه السابقة بدعم المقاومة بما فيها الإسلامية منها.. وشدد على أن الدستور التونسي الجديد لا يتضمن أي عداء للصهيونية
• إعلان مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي عن نيته تطبيع العلاقات مع أمريكا والغرب من خلال فتح سفارة لإسرائيل في ليبيا
هذه الاقتباسات الثلاثة من مقال الباحث الفلسطيني تجسد بما فيه الكفاية نوعية الصفقة التي حصلت بين التيار الأصولي أمريكا، حيث يظهر أنه لا مانع لواشنطن من وصولهم إلى السلطة شريطة الحفاظ على مصالحها بالمنطقة وعدم التصدي لحليفها التقليدي بالشرق الأوسط والتطبيع معه. 
لقد نبهني ما جاء في مقال الباحث الفلسطيني إلى خبر نشره موقع "تليكسبريس" المغربي يوم 3-12-2011 حول زيارة السيد ببريان شوت المستشار السياسي والسكرتير الأول للسفارة الأمريكية، مساء يوم الجمعة 2-12-2011، للناطق الرسمي لجماعة العدل والإحسان فتح الله أرسلان، حيث شوهد يدخل بيته الواقع بحي الفتح بالعاصمة الرباط. فهل تكون الزيارة صدفة ولا علاقة لها بقرار انسحاب الجماعة من الحركة؟ ربما هو كذلك إن نحن عزلناه عن الزيارة الأولى للجماعة من طرف الأمريكان، وتغاضينا الطرف عن اتصالاتهم المتواصلة بأعضائها خلال الاحتجاجات بشمال المغرب. لكن إن ربطناها ببعضها البعض، فإن الزيارة لن تستطيع أن تكون من باب الصدفة خاصة إذا انتبهنا إلى حجم الزائر ونوع العمل الذي يسند لديبلوماسيين من صنفه.
لا أريد ظن السوء بأحد، لكن كل المؤشرات تسير في اتجاه إعداد سيناريو للمغرب على الشاكلة الليبية أو السورية أو حتى، ربما، المصرية، إذ لا أحد يستطيع التنبؤ بما قد تصل إليه الأحداث بمصر.
ربما هذا ما قصده أعضاء جماعة العدل والإحسان عند حديثهم عن رفع سقف المطالب وتغيير الوسائل والمعارضة الشديدة، ولكأني بهم يريدون بقولهم "حين يجد الجد لم تقع إلا على ما يجده الضمآن بقيعان السراب والأوهام" رفع السلاح وإدخال البلاد في حرب أهلية، وكأننا لم نستفيد من تجربة جيراننا والدمار الذي لحق بهم. 
إن النضال المسلح له شروطه وقواعده التي نصّ عليها لينين، ومن أهمها ميزان القوى. فالنظام متحكم في المؤسسة العسكرية ومجهزة بأحدث الأسلحة وآخرها طائرات F16، بينما الشعب لا سلاح له. أم أنهم يعتقدون بأننا سنطالب بتدخل عسكري عربي وأجنبي؟ فاليسار له باع طويل في السياسة ولن يسقط في مثل هذه المصيدة. نحن نعرف ما يحصل ويروج في الكواليس ولن نغترّ بالكلمات الرنانة والكلام المعسول عن الثورية، لوعينا أنه في الظرف الراهن الكفة لن تكون لصالحنا عند صدام مسلح ليس فقط كيسار بل وكشعب ووطن. لذلك لن نمنح من يريد التآمر على بلاده مع "حلفاء" أجانب الفرصة لتنفيذ مخططه. فالظرف الراهن يتطلب منا التريث والصبر حتى تظهر شعبوية وعود الحكومة الجديدة، ثم بعد ذلك ستكون الانطلاقة المظفرة ومن دون طلقة واحدة.

 زكرياء الفاضل
الحوار المتمدن

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة