لاتزال موضوعات الأعراض النفسية في ثقافتنا تُقابل بالكثير من الكتمان والنكران، فنحن نجمع جميع الأمراض النفسية في خانة واحدة هي «الحمق»، وهذا خطأ كبير تترتب عنه جملة مواقف وردود أفعال فيها الكثير من سوء الفهم، الذي يصل أحيانا كثيرة إلى حدود الإساءة إلى ضحايا هذه الأعراض. ومرد هذا الخطأ إما إلى الجهل بحقيقة الوضع البشري أو إلى الخجل الذي لا يزال يلف موضوعات كهذه، فرجال التربية والتكوين أصبحوا واعين اليوم بدور الجانب السيكولوجي في كل العمليات المتعلقة بالتعلم، ومنهم من يحفظ عن ظهر قلب نظريات شهيرة في هذا الباب، لكن أغلب هؤلاء لا يتجاوز اهتمامهم بالجانب السيكولوجي حدود المتعلم، وكأني بهم هم آلات من معدن لا يصدأ، بينما اهتمامهم الأكبر فيما يتعلق بظروف عملهم ينصب على الجوانب المادية في الغالب.
التدريس خاصة، مهنة صعبة وشاقة وذات تأثيرات فورية خطيرة على الصحة النفسية للمدرسين، وهو الأمر الذي يسهل رصده بناء على عدة مؤشرات، منها تزايد عدد المدرسين، الذين يتم إعفاؤهم من مهامهم كل سنة نتيجة تدهور حالتهم العصبية والنفسية، والذين تجاوزوا السنتين الماضيتين مائتي حالة عن كل سنة، ثم تزايد عدد المدرسين المصابين بأمراض فيزيولوجية مزمنة نتيجة لأسباب نفسية، كالضغط والسكري وباقي الأمراض الأخرى المرتبطة بالاضطرابات النفسية، وهي كثيرة.
صحيح أن المجتمع المغربي، شأنه شأن كل المجتمعات العربية، لا يزال متخلفا جدا في التعامل مع الصحة النفسية، إذ نقابلها بالكثير من النكران والتعتيم، مكتفين، بالمقابل، بأحكام القيمة عن الاضطراب النفسي والعصبي، وصحيح أيضا أن الخصائص السيكولوجية للمدرس بعموم الصفة، تجعله غير قادر على التعبير الصريح والشفاف عن مشاكله النفسية، التي يعانيها جراء ممارسته لمهنته الصعبة، معتقدا أن هذا الاعتراف هو إعلان عن الفشل في مهمته، إلا أن الحقيقة التي ينبغي أن نعيها جميعا ونبوح بها استدراكا لنزيف الوضع، هي أن مهنة التدريس، في ظل متغيرات المجتمع والمدرسة المغربيين، أصبحت تسبب إجهادا نفسيا وعصبيا هائلا للمدرس، ومخطئ من يعتقد أنه في مأمن من الاضطرابات النفسية والعصبية الناتجة عن ممارسته لهذه المهنة، ومخطئ أكثر من لا يعتقد أننا كمدرسين في حاجة إلى متابعة نفسية مؤسساتية دائمة، فنحن إزاء مهنة مجهدة ومتعبة.
إن المدرس هو الموظف الوحيد، الذي تتعرض حياته الشخصية لانتهاك واضح من طرف حياته المهنية، لما تتطلبه من جهد كبير في البحث والإعداد الذهني والكتابي القبلي للدروس والتقويمات، ناهيك عن النزيف النفسي للتصحيح. فوفق إحصاءات رسمية، يناهز عدد الساعات الفعلية التي يمارس فيها المدرس أنشطة مهنته الخمسين ساعة أسبوعيا، فما لا يعرفه عامة الناس، الذين يحسدون جهلا المدرس على راحته، هو أن العمل الحقيقي للمدرس لا يتوقف بمجرد مغادرته الفصل الدراسي، بل يبدأ به، وفي العملية الحسابية البسيطة التالية يظهر الأمر بجلاء، لنأخذ عملية إنجاز فرض محروس واحد لمستوى واحد يبلغ عدد تلاميذه خمسة وأربعين تلميذا، فهو يتطلب ساعتين على الأقل من الإعداد القبلي، خاصة مع التطورات الجديدة التي فرضتها بيداغوجيا الإدماج، وعملية التصحيح تتجاوز عشرات الساعات لتصحيح امتحانات هذا القسم، أي بمعدل ربع ساعة للورقة الواحدة، مع العلم أن هناك مواد تتطلب الورقة الواحدة فيها مدة مضاعفة، وإذا كان لهذا المدرس مستويان على الأقل، فإن الزمن يصبح مضاعفا، وإذا كان هذا المدرس له ثلاثة أقسام عن كل مستوى، هذا على الأقل، لأن أغلب المدرسين في التعليم الثانوي التأهيلي يدرسون ما فوق خمسة أقسام، فإن عدد الساعات التي يتطلبها فرض واحد في دورة واحدة تتجاوز الخمسين ساعة، دون احتساب ساعات العمل في الفصل، ودون الحديث عن الأنشطة الأخرى، التي أضحى المدرسون مجبرين على أدائها، كالحضور في مجالس التدبير والأقسام والمجالس التعليمية واللقاءات التربوية ولقاءات التكوين المستمر.
هذا فقط حديث عن ضغط ساعات العمل، والذي يمتد بأضعاف إلى الحياة الشخصية للمدرس، فإذا أضفنا إلى هذا ضغط الاكتظاظ في الفصول، والتي بلغت الخمسين تلميذا، وضغط الإدارة التي لا تتردد في توجيه استفسارات لمن لا يحضرون المجالس المختلفة للمؤسسة، والتلاميذ المراهقين، الذين يعتبرون الفصل فرصة للتعبيرات المختلفة عن مراهقتهم، والمفتشين الذين يطالبونه بجذاذات مختلفة والآباء الذين يحاسبونه على الفاصلة والنقطة، أضف إلى هذا مطالب أخرى تحثه على أن يكون منشطا للحياة المدرسية، ومؤمنا للزمن المدرسي، وكفيلا ومنصتا للتلاميذ، ومتواصلا مع الآباء، فيكفي أن تنضاف إلى هذه الضغوطات ضغوطات اجتماعية وأسرية أو اقتصادية، لنحصل بالضرورة على مدرس ضحية لاضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق والإجهاد النفسي والاستحواذ النفسي والشعور بالاضطهاد.
فالمدرس مطالب بالقيام بأعباء وأدوار متعددة تفوق إمكانيات أي فرد، فالجميع يقوم بتقويمه، بدءا من المدير والمفتش والنائب الإقليمي، بلوغا إلى التلاميذ والآباء، ولا أحد من هؤلاء قادر على تفهم قلق المدرس وإجهاده والضغوطات الممارسة عليه، وكم هو غريب أن يطلب منه أن يراعي الجوانب النفسية للمتعلم، ولا أحد من هؤلاء يراعي جوانبه النفسية هو.
إن الحاجة ملحة اليوم أن يوضع معطى الصحة النفسية، سواء من حيث الوقاية أو المتابعة والعلاج، على رأس المطالب النقابية، فما قيمة ترقية إدارية أو زيادة مالية لمدرس إن كانت ستنتهي في خزانة طبيب نفسي وصيدلي؟
التدريس خاصة، مهنة صعبة وشاقة وذات تأثيرات فورية خطيرة على الصحة النفسية للمدرسين، وهو الأمر الذي يسهل رصده بناء على عدة مؤشرات، منها تزايد عدد المدرسين، الذين يتم إعفاؤهم من مهامهم كل سنة نتيجة تدهور حالتهم العصبية والنفسية، والذين تجاوزوا السنتين الماضيتين مائتي حالة عن كل سنة، ثم تزايد عدد المدرسين المصابين بأمراض فيزيولوجية مزمنة نتيجة لأسباب نفسية، كالضغط والسكري وباقي الأمراض الأخرى المرتبطة بالاضطرابات النفسية، وهي كثيرة.
صحيح أن المجتمع المغربي، شأنه شأن كل المجتمعات العربية، لا يزال متخلفا جدا في التعامل مع الصحة النفسية، إذ نقابلها بالكثير من النكران والتعتيم، مكتفين، بالمقابل، بأحكام القيمة عن الاضطراب النفسي والعصبي، وصحيح أيضا أن الخصائص السيكولوجية للمدرس بعموم الصفة، تجعله غير قادر على التعبير الصريح والشفاف عن مشاكله النفسية، التي يعانيها جراء ممارسته لمهنته الصعبة، معتقدا أن هذا الاعتراف هو إعلان عن الفشل في مهمته، إلا أن الحقيقة التي ينبغي أن نعيها جميعا ونبوح بها استدراكا لنزيف الوضع، هي أن مهنة التدريس، في ظل متغيرات المجتمع والمدرسة المغربيين، أصبحت تسبب إجهادا نفسيا وعصبيا هائلا للمدرس، ومخطئ من يعتقد أنه في مأمن من الاضطرابات النفسية والعصبية الناتجة عن ممارسته لهذه المهنة، ومخطئ أكثر من لا يعتقد أننا كمدرسين في حاجة إلى متابعة نفسية مؤسساتية دائمة، فنحن إزاء مهنة مجهدة ومتعبة.
إن المدرس هو الموظف الوحيد، الذي تتعرض حياته الشخصية لانتهاك واضح من طرف حياته المهنية، لما تتطلبه من جهد كبير في البحث والإعداد الذهني والكتابي القبلي للدروس والتقويمات، ناهيك عن النزيف النفسي للتصحيح. فوفق إحصاءات رسمية، يناهز عدد الساعات الفعلية التي يمارس فيها المدرس أنشطة مهنته الخمسين ساعة أسبوعيا، فما لا يعرفه عامة الناس، الذين يحسدون جهلا المدرس على راحته، هو أن العمل الحقيقي للمدرس لا يتوقف بمجرد مغادرته الفصل الدراسي، بل يبدأ به، وفي العملية الحسابية البسيطة التالية يظهر الأمر بجلاء، لنأخذ عملية إنجاز فرض محروس واحد لمستوى واحد يبلغ عدد تلاميذه خمسة وأربعين تلميذا، فهو يتطلب ساعتين على الأقل من الإعداد القبلي، خاصة مع التطورات الجديدة التي فرضتها بيداغوجيا الإدماج، وعملية التصحيح تتجاوز عشرات الساعات لتصحيح امتحانات هذا القسم، أي بمعدل ربع ساعة للورقة الواحدة، مع العلم أن هناك مواد تتطلب الورقة الواحدة فيها مدة مضاعفة، وإذا كان لهذا المدرس مستويان على الأقل، فإن الزمن يصبح مضاعفا، وإذا كان هذا المدرس له ثلاثة أقسام عن كل مستوى، هذا على الأقل، لأن أغلب المدرسين في التعليم الثانوي التأهيلي يدرسون ما فوق خمسة أقسام، فإن عدد الساعات التي يتطلبها فرض واحد في دورة واحدة تتجاوز الخمسين ساعة، دون احتساب ساعات العمل في الفصل، ودون الحديث عن الأنشطة الأخرى، التي أضحى المدرسون مجبرين على أدائها، كالحضور في مجالس التدبير والأقسام والمجالس التعليمية واللقاءات التربوية ولقاءات التكوين المستمر.
هذا فقط حديث عن ضغط ساعات العمل، والذي يمتد بأضعاف إلى الحياة الشخصية للمدرس، فإذا أضفنا إلى هذا ضغط الاكتظاظ في الفصول، والتي بلغت الخمسين تلميذا، وضغط الإدارة التي لا تتردد في توجيه استفسارات لمن لا يحضرون المجالس المختلفة للمؤسسة، والتلاميذ المراهقين، الذين يعتبرون الفصل فرصة للتعبيرات المختلفة عن مراهقتهم، والمفتشين الذين يطالبونه بجذاذات مختلفة والآباء الذين يحاسبونه على الفاصلة والنقطة، أضف إلى هذا مطالب أخرى تحثه على أن يكون منشطا للحياة المدرسية، ومؤمنا للزمن المدرسي، وكفيلا ومنصتا للتلاميذ، ومتواصلا مع الآباء، فيكفي أن تنضاف إلى هذه الضغوطات ضغوطات اجتماعية وأسرية أو اقتصادية، لنحصل بالضرورة على مدرس ضحية لاضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق والإجهاد النفسي والاستحواذ النفسي والشعور بالاضطهاد.
فالمدرس مطالب بالقيام بأعباء وأدوار متعددة تفوق إمكانيات أي فرد، فالجميع يقوم بتقويمه، بدءا من المدير والمفتش والنائب الإقليمي، بلوغا إلى التلاميذ والآباء، ولا أحد من هؤلاء قادر على تفهم قلق المدرس وإجهاده والضغوطات الممارسة عليه، وكم هو غريب أن يطلب منه أن يراعي الجوانب النفسية للمتعلم، ولا أحد من هؤلاء يراعي جوانبه النفسية هو.
إن الحاجة ملحة اليوم أن يوضع معطى الصحة النفسية، سواء من حيث الوقاية أو المتابعة والعلاج، على رأس المطالب النقابية، فما قيمة ترقية إدارية أو زيادة مالية لمدرس إن كانت ستنتهي في خزانة طبيب نفسي وصيدلي؟
1 التعليقات:
هذا الكاركاتور يكرس الحكرة والتهميش اللذين يعاني منهما رجل التعليم يصفة عامة من طرف المجتمع هذا الكاركاتور سيف ذو حدين وأنا أقول لقد صدق من قال قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا(بفتح الراء) ولكن في الكاركاتور رسولا (بضم الراء) فوقفة اجلال واحترام وتقدير للسيد المعلم
إرسال تعليق