الأزمة السورية ذاهبة الى الامم المتحدة حتما، فمن الواضح ان وزراء الخارجية العرب الذين اختتموا اجتماعهم عاقدون العزم على فرض عقوبات اقتصادية، وتبني الاقتراح الفرنسي بفرض ممرات آمنة لحماية المدنيين.
ومن الواضح ايضا ان السلطات السورية ما زالت تبحث عن وسائل لتعطيل وصول مراقبين وصحافيين عرب حسب بروتوكول الجامعة الاخير للتأكد من حماية المدنيين.
آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي صاحب مشروع هذه الممرات قال انه يريد دعم الدول العربية، قبل ان يذهب الى قمة الاتحاد الاوروبي مطلع الشهر المقبل لمناقشة هذه المسألة، ولا نستغرب ان يكون قد حصل عليها فعلا.
النظام السوري يتعرض الى مسلسل من الاهانات من جهات عديدة، فرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يتهم بشار الاسد بالجبن، ويعايره بان عليه توجيه بنادق جيشه الى هضبة الجولان وليس الى ابناء شعبه، بينما تطالبه الولايات المتحدة الامريكية على لسان رئيسها بالرحيل، اما الجامعة العربية، فتمهله 24 ساعة لتوقيع البروتوكول المتعلق بالمراقبين، بعد ان جمدت عضوية سورية الدولة المؤسسة في الجامعة.
لا نعرف كيف ستواجه السلطات السورية هذه الاهانات والضغوط الاقتصادية المرافقة لها، ولا نعرف ايضا كم ستصمد في مواجهتها، ولكن ما نعرفه ان الخناق يضيق عليها، وان الحلول الامنية التي اصرت على استخدامها منذ بداية الاحتجاجات الشعبية المشروعة المطالبة بالتغيير الديمقراطي بدأت تعطي نتائج عكسية،فإلقاء نظرة على اعداد القتلى في الاسابيع الاخيرة نجد انهم لم يعودوا مدنيين بالكامل، مثلما كان عليه الحال في بداية الانتفاضة، وانما هناك عسكريون من بينهم، سواء كانوا من منتسبي الجيش وقوات الامن السورية، او الجماعات العسكرية والامنية المنشقة.
بالأمس سقط ثلاثون قتيلا بينهم تسعة قضوا برصاص الامن (اي من المدنيين)، فيما قتل 11 عنصرا امنيا وعسكريا خلال اشتباكات مع منشقين، سقط من بينهم اثنان في محافظة حمص، كذلك قتل سبعة طيارين عسكريين في هجوم شنه مسلحون على حافلة تقلهم من مدينة تدمر، وتبنى الجيش السوري الحر الذي يضم آلاف الجنود المنشقين الهجوم في بيان جرى نشره على الانترنت، اكد مقتل الطيارين السبعة وثلاثة عسكريين مرافقين لهم.
والاهم من ذلك ان العقيد رياض الاسعد الذي تبنى الهجوم على حافلة الطيارين السوريين ، اعلن تأييده لفرض حظر جوي على سورية وضرب اهداف استراتيجية للنظام السوري، مؤكدا في الوقت نفسه رفضه دخول قوات اجنبية الى البلاد عن طريق البر، وهذا يعني الاستعانة بالنموذج الليبي حرفيا، اي ان يقوم حلف الناتو بتوفير الحماية، وربما القصف الجوي لمثل هذه الاهداف الاستراتيجية (مواقع الجيش السوري ودفاعاته الجوية والارضية).
اقوال العقيد الاسعد هذه تتعارض مع تصريحات الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، التي حث فيها الجيش السوري الحر على حماية المدنيين فقط وعدم مهاجمة القوات العسكرية التابعة للنظام.
اذا لم تكن هذه الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوري والمنشقين عنه هي بداية اندلاع شرارة الحرب الاهلية، وانتقال الانتفاضة من الطابع السلمي الكامل الى ‘العسكرة’ او احد جوانبها، فإنها يمكن ان توصف بأنها بداية تمرد مسلح، والممرات الآمنة التي يريد وزير الخارجية الفرنسي فرضها، بالتنسيق او بغطاء من جامعة الدول العربية، تريد تشجيع المزيد من الانشقاقات في الجيش، وربما في اركان مؤسسات النظام السوري،المدنية والأمنية ايضا.
وفي ظل هذه التطورات يصعب علينا ان نفهم معارضة النظام السوري، او بالاحرى تردده، في السماح لمراقبين عرب بالاطلاع على ما يجري فعلا على الارض، فالنظام ظل يتحدث، ومنذ بداية انطلاق الاحتجاجات،عن ان هناك عصابات مسلحة هي التي تهاجم الجيش وقوات الأمن، والمرصد السوري لحقوق الانسان، أكد في بيانات عديدة سقوط قتلى من رجال الجيش برصاص مسلحين، والمنطق يقول بأن وجود مراقبين عرب تحت علم الجامعة العربية، وبحضور عدسات محطات التلفزة العربية والاجنبية، قد يضيف تأكيداً آخر على هذه الحقائق ويسلط الأضواء عليها.
لا نعتقد ان هناك شيئاً يمكن ان يخفيه النظام السوري عن اعين المراقبين، فالفضائيات لم تترك حجراً دون ان تقلبه بحثاً عن طفل أو صبي شهيد برصاص قوات الأمن، وأعمال القتل الدموية البشعة التي لم تتوقف قوات الأمن عن ممارستها باتت معروفة للجميع، ولذلك فإن وجود المراقبين قد يكشف ما يروج النظام بان الفضائيات تغطي عليه، وهو وجود جماعات مسلحة ومنشقة عن الجيش تستخدم الأسلحة لمقاومة النظام وقواته تحت عنوان حماية المدنيين، أو ضرب أهدافه الاستراتيجية مثلما قال العقيد الأسعد.
ربما يجادل البعض بأن النظام السوري يريد كسب الوقت، أو المزيد منه، من خلال المماطلة في قبول شروط وانذارات وتهديدات وإهانات وزراء الخارجية العرب، ولكن السؤال هو كم من الوقت سيكسب شهراً أم ثلاثة أم أكثر قليلاً؟
نشعر بالألم الشديد ونحن نرى الأوضاع في سورية تنجرف الى هذا المنزلق الدموي الخطير، ونشعر بالألم أكثر عندما نرى طيارين من المفترض ان يستشهدوا دفاعاً عن الارض السورية ومن ثم العربية يقتلون بالطريقة التي شاهدناها، فجميع هؤلاء الضحايا هم في الجانبين ابناء سورية، وهذا ما يدمي القلب اكثر.
لا نتردد لحظة في القول ان الادارة الدموية للأزمة في سورية من قبل السلطات السورية تتحمل المسؤولية الأكبر عما حدث وسيحدث، ولكن من الواضح ان التدخل الخارجي الذي يرحب به البعض، ربما يؤدي الى احتراق المنطقة بأسرها، وإغراقها في حرب أهلية، أو عسكرية، أو الاثنتين معاً، لا تبقي ولا تذر.
البعض يتحدث عن الحرب، والممرات الآمنة، والتدخل الخارجي ومناطق الحظر الجوي، والنظام متمسك بالحلول الامنية ومصرّ عليها، ولا أحد مطلقاً يتحدث عن حلول سياسية أو مخارج سلمية.
حماية المدنيين مهمة انسانية مقدسة، وقد أحسنت جامعة الدول العربية عندما وضعتها على قمة أولوياتها، ولكن من حقنا ان نسأل هذه الجامعة، وبعد ان تنتهي من مهمة حماية المدنيين في سورية من بطش النظام ورصاص قواته الامنية وشبيحته، عما اذا كانت ستحمي مواطنين عربا آخرين، في أماكن عربية اخرى من المجازر نفسها، ونحن هنا، وحتى لا نتهم بأننا نحشر فلسطين في كل شيء، لا نريد ان نقول في قطاع غزة، في حال حدوث عدوان اسرائيلي، وهل سيفرض ساركوزي وجوبيه (فرنسا) وكاميرون (بريطانيا) مناطق حظر جوي في الضفة والقطاع؟!
عبد الباري عطوان
0 التعليقات:
إرسال تعليق