عبد الله بن عبد الرحمن البريدي
يتناول المقال التالي موضوع الإبداع في حياتنا، وكيف يلعب الإبداع دورا هاما في تقدم الإنسانية وفي نجاح الأفراد، فالتفكير الابداعي هو جزء من التفكير العلمي السليم الذي يستند إلى أسس راسخة يحكمها المنطق والأسباب والنتائج وفق تسلسل دقيق ومحكم.
يقول الكاتب عبد الله البريدي في مقدمه مقاله عن الإبداع وعن المبدعين أن الإبداع في اللغة يعني الإنشاء عـلى غير مثال سابق، والبديع هو المبدَع والمبدِع، قال ـ تعالى ـ في محكم التنزيل: ((بَدِيعُ السَّمـَوَاتِ وَالأرْضِ)) [البقرة: 117]، واستبدعه: عده بديعاً(1).
أما من الناحية العلمية، فلعلي أقفز ـ كما سبق في مقال سابق ـ إلى التعريف الذي ارتأيته؛ متجاوزاً بذلك إشكالية التعريف التي لا تهم القارئ كثيراً، وهذا التعريف هو:
(عملية ذهنية مصحوبة بتوتر وانفعال صادق ينظم بها العقل خبرات الإنسان ومعلوماته بطريقة خلاقة تمكنه من الوصول إلى جديد مفيد)(2).
أهمية التفكير الإبداعي:
ها هي البشريــة جمـعاء ترفل بصور من النعم، وأشكال من الترفيه، وألوان من التيسير، تَفـَـضّــل بـهـا الـمولى ـ عز وجل ـ وقضى ـ بحكمته البالغة ـ بجعل الإبداع وسيلة فاعلة يمتطيها المبدعون ليسهموا في بلورة أفكارهم نظرياً، وفي إنجازها واقعياً.
ومن هنا تنبثق أهمية التفكير الإبداعي من كونه بعد توفيق الله ـ تعالى ـ:
* قناة أكيدة إلى جزر الاكتشافات الجديدة. * ومعبراً مضيئاً إلى النجاح والتفوق.
* ومنفذاً قاصداً إلى تحقيق أهدافنا بكفاءة وسرعة.
* وسبيلاً ذكياً إلى التجديد الذي يزهق روح الملل ويريق دم السآمة!!
جوهر الإبداع:
على الرغم من أن هناك اعترافاً بين علماء الإبداع على أنه نوع من أنواع النشاط العقلي، إلا أنهم اختلفوا في طرق معالجته وتحديده وقياسه، بمعنى أنهم اختلفوا في الإجابة عـن السؤال: متى نحكم لعمل أو لشخص بالإبداع؟ كما أنهم اختلفوا في جوهر الإبداع على النحو الآتي:
أ – منهم من تناول الإبداع على أنه مجموعة من الخطوات تبدأ بتلمس المشكلة وتنتهي بإشراق الحل والتحقق منه، فمن طبق تلك الخطوات فقد مارس عملاً إبداعياً!! (منهم: والاس، ماسلو، عبدالغفار).
ب – ومنهم من جعل محور الإبداع هو الناتج الإبداعي وحدد مجموعة من الصفات كالجِدّة وعدم الشيوع والقيمة الاجتماعيـة، وجعل توافرها دليلاً على الإبداع بغضّ النظر عن شخصية القائم بالعمـل!! (منهم: روقيرس، ستن).
ج – وبعضهم ركز على مجموعة من الخصائص العقلية وغير العقلية وجعل تلبّس البعض بها دليلاً على إبداعه، سواءٌ أبـدع واقعاً أم لـم يبـدع!! (منهم: جيلفورد، تورانس)(3).
إذاً فالأول يعتني بالخطوات الإبداعية، والثاني بالناتج الإبداعي، والثالث بالشخصية الإبداعية. ومن هنا فلعله من الواضح أن كل رأي منها يعجز عن تفسير ظاهرة الإبداع، ذلك أنه يعالج ضلعاً واحداً من أضلاع المثلث الإبداعي، ومن ثم فالرأي السديد ـ في نظري ـ يتمثل في الأخذ بهذه الآراء مجتمعة على نحو ما سيجري تفصيله.
منهج التفكير الإبداعي:
كاد أن يقتتل الناس من أجل إخراج (طائر الكروان) الذي احتبس في حفرة رأسية في جدار سميك.. فأحضر أحدهم عوداً وبدأ بإدخاله وتحريكه داخل الحفرة حتى كاد ـ باجتهاده ـ أن يقتله!، والآخر ـ بإخلاصه ـ حاول أن يدخل يده الطويلة لعله يمسك به، ولكن بلا جدوى، وبعضهم اقترح تخويفه بالأصوات المزعجة عله أن ينهض! كل ذلك وطفل في الرابعة عشرة من عمره كان يرقب الموقف وتبدو عليه آثار توتر التفكير وانفعال البحث.. وفجأة يصرخ وجدتها! ما رأيكم لو بدأنا بسكب كمية من الرمل في الحفرة بصورة تدريجية.. إنه الإبداع، أليس كذلك؟!
قد تبدو لك هذه القصة بسيطة، وبالفعل هي كذلك، غير أني أريد أن تفهم أن المقصود منها فقط هو تسهيل عرض منهج التفكير الإبداعي الذي أراه بعد أن تم استيعاب نظريات الإبداع، واستقراء آراء الباحثين.
ما الخطوات التي يجب إتباعها لنكون مبدعين؟!
التفكير الإبداعي ينتظم نفس الخطوات التي يمر بها التفكير العلمي ولكن على نحو فذ؛ فذلك الطفل حدد المشكلة بدقة وتعرف على أسبابها، وعرف على وجه الدقة ما يريد، وفكر في مجموعة من البدائل، وخلص أخيراً إلى البديل الإبداعي، بيد أن المبدع دائماً ما يتفاعل بإخلاص مع ما يفكر به لدرجة يكون معها:
* معايشاً لأجزاء الفكرة ومفرداتها، مستظلاً تحت شجرتها وأغصانها، ومتأملاً ثمارها وأشواكها. ومن ثم فإنه يصل إلى درجة من النضج التفكيري يصبح معها:
** قادراً على المرور بهذه الخطوات بكل سرعة وكفاءة. ** مرناً في تطبيقها.
** متوثباً صوب الفكرة الإبداعية (الجديدة) إلى حد تطّرد معه الأفكار الأخرى إذا ما لاحت في أفق تفكيره، بمعنى أن ما يعايشه المبدع من توتر وانفعال إزاء الفكرة يجعله يدمج الخطوتين الثالثة والرابعة (تحديد البدائل الممكنة، واختيار أفضلها) في خطوة واحدة؛ فهو يفكر بطريقة خلاّقة في بدائل كثيرة، غير أن إبداعه يمكّنه من القضاء على الأفكار الهزيلة ليسير على جثثها صوب البديل الإبداعي.
** محتضناً البديل الإبداعي في (رحم فكري)، متعاهداً إياه بكل ما ينميه ويغذيه.
** فاحصاً للفكرة المنبثقة من ذلك الرحم، ليحدد أخيراً مدى صحتها نظرياً وجدواها عملياً(4).
أسئلة تعينك على الإبداع:
ثمة أسئلة تعين على الإبداع، يمكن لكل واحد منا توجيهها لنفسه ومن ثم محاولة تلمس إجابة لها، وليس هناك أسئلة نمطية تصلح في كل الأحوال، وإنما يجب اختيار الأسئلة التي تناسب المشكلة محل التفكير. فعلى سبيل المثـال يمكنـك في مرحلـة توليد الأفكـار توجيـه الأسئلة الآتيـة:
* ماذا لو فعلت أو لم أفعل كذا………..؟ * لِمَ لا أفعل كذا…………..؟
* هل أغير زاوية التفكير (أفكر رأساً على عقب)؟ * ما هي الافتراضات التي يمكن تجاوزها؟
وعند تقييم الأفكار يمكنك توجيه الأسئلة التالية:
* هل هذه فكرة جيدة؟ * هل نستطيع تنفيذها؟
* هل الوقت مناسب لتنفيذها؟ * من يستطيع مساعدتنا؟
* ما هي النتائج التي يمكن أن تترتب في حالة إخفاقها؟
إن كثيراً من المبدعين لم يصلوا إلى درجة الإبداع إلا بعد أن تخطوا عقبة الأسئلة (التقليدية)، ذلك أن الإجابة التي تتبلور في أذهاننا إنما تتشكل بحسب السؤال؟(5).
من هو المبدع وما خصائصه؟
إن المبدع إنسان كغيره… غير أنه وعاء مملوء بانفعالات صادقة، تأتيه من كل صوب، من قراءاته، تأملاته، ملاحظاته، احتكاكاته، اهتماماته، ومعاناته.. فينفذ ما قرأه وما سمعه وما شاهده وما وعاه، ليتخفف من وطأة الانفعالات، ومن ازدحام عقله بالرؤى(6).
ثمة خصائص كثيرة يذكرها باحثو الإبداع، غير أن من أهمها في نظري ما يلي:
1 – الخصائص العقلية:
أ – الحساسية في تلمس المشكلات: يمتاز المبدع بأنه يدرك المشكلات في المواقف المختلفة أكثر من غيره، فقد يتلمس أكثر من مشكلة تلح على بحث عن حل لها، في حين يرى الآخرون أن (كل شيء على ما يرام)!!، أو يتلمسون مشكلة دون الأخريات.
ب – الطلاقة: وتتمثل في القدرة على استدعاء أكبر عدد ممكن من الأفكار في فترة زمنية قصيرة نسبياً. وبازدياد تلك القدرة يزداد الإبداع وتنمو شجرته. وهذه الطلاقة تنتظم:
** الطلاقة الفكرية: سرعة إنتاج وبلورة عدد كبير من الأفكار.
** طلاقة الكلمات: سرعة إنتاج الكلمات والوحدات التعبيرية واستحضارها بصورة تدعم التفكير.
** طلاقة التعبير: سهولة التعبير عن الأفكار وصياغتها في قالب مفهوم.
ج – المرونة: وتعني القدرة على تغيير زوايا التفكير (من الأعلى إلى الأسفل والعكس، ومن اليمين إلى اليسار والعكس، ومن الداخل إلى الخارج والعكس، وهكذا) من أجل توليد الأفكار، عبر التخلص من (القيود الذهنية المتوهمة) (المرونة التلقائية)، أو من خلال إعادة بناء أجزاء المشكلة (المرونة التَكيّفية).
فمثلاً باستنطاق قصة الكروان، نجد أن أكثر الناس كانوا يفكرون:
من أعلى إلى أسفل __________ كيف نمسك بالطائر من أعلى؟ ذلك أنهم كانوا يعتقدون بأن الحل يكمن في إيجاد وسيلة معينة يتم استخدامها من جانبهم (الأعلى) وإنزالها إلى الطائر (الأسفل)، وهذه زاوية تفكير جيدة قد تنجح، ولكن الخطورة تكمن في الجمود عليها وعدم التماس زوايا أخرى!!.
بينما وجدنا الطفل المبدع يفكر من زاوية أخرى ـ مع الزاوية الأولى ـ:
من أسفل إلى أعلى ___________ ماذا لو جعلنا الطائر يرتفـع من جانبه لكـي نتمكـن من الإمسـاك به!! وفعلاً.. جاءت فكرة سكب الرمل بكميات قليلة من الجهات المختلفة للحفرة لكي يرتفع الطائر شيئاً فشيئاً. ويسمي البعض هذا اللون من التفكير بـ (التفكير رأساً على عقب).
د – الأصالة: وتعني القدرة على إنتاج الأفكار الجديدة ـ على منتجها ـ، بشرط كونها مفيدة وعملية.
هذه الخصائص الأربع حددها جلفورد، وتشكل هذه الخصائص بمجموعها ما يسمى بالتفكير المنطلق (المتشعب)، وهو استنتاج حلول متعددة قد تكون صحيحة من معلومات معينة وهذا اللون من التفكير يستخدمه المبدع أكثر من التفكير المحدد (التقاربي) وهو استنتاج حل واحد صحيح من معلومات معينة.
هـ ـ الذكاء: أثبت العديد من الدراسات أن الذكاء المرتفع ليس شرطاً للإبداع، وإنما يكفي الذكاء العادي لإنتاج الإبداع(7).
2 – الخصائص النفسية:
أ – الثقة بالنفس والاعتداد بقدراتها. ب ـ قوة العزيمة ومضاء الإرادة وحب المغامرة.
ج – القدرة العالية على تحمل المسؤوليات. د ـ تعدد الميول والاهتمامات. هـ ـ عدم التعصب.
و ـ الميل إلى الانفراد في أداء بعض أعماله، مع خصائص اجتماعية وقدرة عالية على اكتساب الأصدقاء.
ز ـ الاتصاف بالمرح والأريحية. ح ـ القدرة على نقد الذات والتعرف على عيوبها(8).
خصائص متفرقة:
أ – حب الاستكشاف والاستطلاع بالقراءة والملاحظة والتأمل.
ب ـ الميل إلى النقاش الهادئ.
ج – الإيمان غالباً بأنه في (الإمكان أبدع مما كان).
د – دائم التغلب على (العائق الوحيد). (العائق الذي يتجدد ويتلون لصرفك عن الإنتاج والعطاء)(9).
هـ ـ البذل بإخلاص وتفان، وعدم التطلع إلى الوجاهة والنفوذ؛ بمعنى أن تأثره بالدافع الداخلي (كالرغبة في الإسهام والعطاء، تحقق الذات، لذة الاكتشاف، والانجذاب المعرفي ونحوها) أكثر من الدافع الخارجي (المال، الشهرة، المنصب ونحوها).
هل يلزم توافر هذه السمات جميعها في الإنسان حتى يكون مبدعاً؟
بالنسبة للخصائص العقلية يلزم توافرها كلها بدرجة معقولة، أما الخصائص الأخرى فيكفي أغلبها.. وأظنك الآن قادراً على تحديدها.
أقفال الإبداع:
تأبى بعض الأقفال الذهنية إلا أن تصد قطاعاً عريضاً من الناس عن ولوج باب الإبداع، ويرجع بعضها إلى البيئة الثقافية ـ بمفهومها العام ـ التي تنتظم العقائد والأخلاق، وتصوغ الأهداف والغايات، وتشكل طرائق التفكير وقيم الأداء؛ بينما يرجع بعضها الآخر إلى تراكمات نفسية خلفها سوء التربية الذاتية والانهزام في معركة بناء الذات والانطوائية!!
وهذه الأقفال في غاية المكر وقمة التلبيس في تعاملها معنا، فهي تعرف كيف تتلون بلون جذاب أخاذ، وتتدثر بثوب المخلص المشفق؛ وفوق هذا وذاك تخدرنا بأسلوب بليغ، فهي قد تقول لي أو لك:
* الإجابة الصحيحة * لست مبدعاً * لا أقحم نفسي في غير تخصصي * ألتزم القواعد.
* ليس من المنطق في شيء * كن عملياً * إياك والغموض * من الخطأ أن تخطئ.
وعـقـب هـذا الإيـحـاء، تـتـشـرب عقول بعضنا تلك الأقفال وتعض عليها بأضراس العقل، ونواجذ الفكر!!
ولـعـل اسـتـعـراض تلك الأقفال التي حددها روقرفون Rogervon تعين على التخلص من شرورها:
1 – الإجابة الصحيحة:
من الأخطاء التـعـلـيمية التركيز على قضية الحفظ مع إغفال الفهم، فتنشأ مع الطفل عقدة (الحل الوحيد) أو (الإجابة الصحيحة)، ويعتقد أنه ليس ثمة حل أو إجابة أخرى، حتى لو كانت المسألة تحتمل مائة حل أو إجابة!! ومن مظاهر ذلك في مؤسستنا التعليمية والتربوية شيوع الأسئلة التالية:
اذكر…؟ عدّد…؟، عرّف…؟، اسرد…؟…..
وندرة أو غياب بعض الأسئلة التالية: اشرح….؟، ما أوجه الاختلاف أو التشابه بين….؟، علّق على العبارة التالية…، ما وجهة نظرك في…؟
إذاً من الأقفال الذهنية: اعتقادك بأنه ليس هناك إلا حل وحيد للمشكلة (أو الموضوع) محل التفكير التي قد تقبل أكثر من حل، فإذا ما تم التوصل إليه توقفت عن التفكير…!!
2 – لستُ مبدعاً:
من أشد الأقفال وأصلبها أن ننظر إلى أنفسنا نظرة ازدراء واحتقار، وأن نتمثــل دائماً وأبداً بـ (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه)!!، ولا يعني هذا الدعوة إلى الغرور أو مجافاة التواضع، لا.. وإنما المقصود التأكيد على أهمية الثقة بالنفس كشرط رئيس لولوج باب الإبداع..
ولقد كشفت دراسة أن المبدعين يذكرون أنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم بثقة لا بغرور!!
3 – لا أقحم نفسي:
كثيراً ما نسمع أحداً يقول: (هذا ليس من تخصصي!) أو (ليس من جملة اهتماماتي!) وأضـرابـهـا مـن عــبـارات الأقفال التي تصد عن الإبداع!! لماذا لا يفكر أحدنا عند تعطل سيارته؟! ألأننا لسنا مـيـكـانيكـيـين؛ ألا يمكننا ـ وبخاصة عند تعذر وجود المختص ـ أن نحاول اكتشاف العطل؟
من الصعب أن تجد في عصرنا الحاضر المعقد مشكلة يمكن عزوها إلى تخصص أو فن واحد، ومن هنا فالمبدع لا يقف مكتوف الأيدي أمام أجزاء المشكلة التي تخرج عن الدائرة الضيقة للتخصص، وإنما يحاول التفكير فيها بغية الاهتداء إلى الحل المناسب، مع الرجوع إلى ذوي الاختصاص لاستفتائهم والإفادة من علمهم.
4 – التزم القواعد:
أقــصــد بـالــقـواعـد هنا الذهنية منها (طرائق التفكير والاستنتاج)، والتي يتم تشكيلها في أذهاننا عبر مرحلتين هما:
** أنها تبنى في البداية على أسباب منطقية ووجيهة.
** يدفعنا هذا إلى الاعتقاد بصحتها وبضرورة اتباعها.
ولكن بمرور الوقت قد تنتفي أسبابها ومن ثم تنعدم صـحـتـهـا، غـيـر أنــنــا قـد نستمر في احترامنا لها!!
5 – ليس من المنطق في شيء:
تعد القواعد المنطقية كالقياس والاستدلال والتصنيف والتقسيم والترتيب من أهــم وســائـل الـتـفـكــير، غير أن الإفراط في محاكمة الأفكار في مرحلة توليدها إلى تلك القواعد قد يعيق تـدفـقـهـا ويـعـقّـد بـلـورتها؛ ذلك أنه قد تنتفي الأسس التي استقت منها القواعد المنطقية صحتها، أو يصدر المـفـكــر في تلك المرحلة حكماً خاطئاً بسبب (العجلة الذهنية)… إذاً لا تغالِ عند توليد أفكارك في محاكمتها إلى القواعد المنطقية، ورحّل تلك المحاكمة إلى مرحلة تقييم الأفكار، استعن بالله وانزع قفل المغالاة المنطقية!
6 – كن عملياً:
عقدة (البديل العملي) قد تمـارس أحياناً نشاطاً تدميرياً لمصنع بناء الأفكار، ألم تطرح أنت ـ أو غيرك ـ بديلاً جوبهت بعد فراغك منه بـ: يا أخي (كن عملياً)!!… وبعد فترة طالت أم قصرت تبين أن بديلك هو البديل العملي؟
سؤال: (ماذا لو (: يمـكـنـك التحليق في عالم الأفكار التي قد تبدو لك أو لغيرك في الوهلة الأولى أنها غير عملية… فـمـثــلاً يمكن لمدير العلاقات العامة الذي يريد تدعيم العلاقة مع الجمهور أن يسأل نفسه:
** ماذا لو قدمنا هدية جذابة لكل واحد منهم؟
** ماذا لو فتحنا المجال للـتـدرب على أعـمـالـنـا للمتخرجين حديثاً ومنحناهم شهادات تدرب؟
** ماذا لو احتفظنـا بمعلومـات كاملـة عن أهم عملائنا في جهـاز الحاسـب الآلي وصممنـا برنامجاً Software يمدهم بما نريد من معلومات في فترات محددة عبر شبكة الإنترنت؟
** ماذا لو نظمنا رحلة اجتماعية لعملائنا الجدد؟
7 – إياك والغموض:
قد يُخيفك الغموض من التجول في شوارع الفكرة المظلمة وحدائقها المرعبة وأسواقها المكتظة، أو في مطاعمها البائسة… أليس كذلك؟!
قد يبدو لك غموض كثيف يلف الفكرة الإبداعية بدثار مخيف، ويحيطها بسياج منيع… فإذا لم تستجمع قواك حينئذ وتستحث شجاعتك وتستعين بالله ـ تعالى ـ قبل أي شيء وبعده على ذلك المارد الغامض فقد يفوتك الإبداع، وتعتل بالجمود!!
8 ـ من الخطأ أن تخطئ:
ليس ثمة طريق يوصل للإبداع إذا كان الإنسان يخاف من الخطأ، ويعده (ذنباً ذهنياً) يجب أن يترفع عنه، أو يعتقد أنه (منقصة عقلية) قد يُنال منه بسببها… إن التحرر من هذا القفل:
* يتيح لك الاستفادة من الأفكار التي كنت تعتقد بخطئها، ولكن بالتجربة والتحقق ثبتت صحتها.
* يجعلك أكثر انطلاقاً في التفكير؛ وذلك أن الفكرة التي تعتقد بخطئها دون التأكد من ذلك تظل عالقة في اللاوعي، وتعرض لك بين الوقت والآخر مما يعيق عملية توليد الأفكار لديك.
لمريدي الإبداع فقط:
ثلاث خطوات فقط وبلا حشو توصلك إلى الإبداع هي ـ بعد الاستعانة بالله ـ:
1 – الثقـة بالنفس وحسن التعامـل معهـا، والتعايش الصادق والاستغراق الهادئ في ما تفكـر بـه.
2 – نزع الأقفال الذهنية وجعل التفكير مفتوحاً.
3 – إدراك آلية التفكير الإبداعي وخطواته والتعامل معها بمرونة.
صناعة الإبداع:
هل ثمة طريق تتوصل به المجتمعات الإنسانية إلى إيجاد مناخ فكري تُغرس فيه شجرة الإبداع وتُصنع فيه منتجاته؟
بكل جزم: نعم… ذلك أن الإبداع ظاهرة إنسانية اندمجت أسباب عقدية وثقافية ونفسية فكونت إطاراً ـ يستعصي على التجزئة ـ أسهم في إنتاج تلك الظاهرة وفي تشكيلها، ومن ثم ندرك أن الإبداع نتيجة يمكن الظفر بها متى توافرت وتضافرت أسبابها. وبنظرة خاطفة إلى المجتمعات الإنسانية نتلمس سر نجاح بعضها في صناعة الإبداع في عقول أفرادها على نحو مكنها من النهوض الحضاري.
لقد استطاع اليابانيون مثلاً أن يحدثوا انقلاباً إبداعياً تمكنت به شركة يابانية أن تلتزم باختراع جهاز كل أسبوع، حتى ولو لم يتم تسويق منتجاتها في بعض الأسابيع بالصورة المطلوبة!! قد تتساءل: لماذا لا ينتظرون حتى يتم تسويق المنتجات التي تم عرضها بشكل جيد، ثم يقومون بعد ذلك بإنزال المنتج الجديد؟!
إنهم لا يفعلون ذلك؛ لأنهم يجزمون بأنهم لو تأخروا يوماً واحداً أو أقل من ذلك فإن شركة أخرى ستقوم بالمهمة وبذلك يخسرون….! ترى ماذا يخسرون؟!
وبالتفاتة عاجلة إلى المجتمعات المسلمة نشعر بـ (دوار حضاري)، ونستنشق تقليدية مقيتة، تستوجبان الإسراع في صناعة سفينة الإبداع لتبحر في ذلك الخضم صوب بلاد ما وراء التقليد في طريقها إلى جزر الاكتشافات العلمية والتقنية، ولا سيما أنها تملك الإطار العقدي والقيمي الصحيح الذي يحث على العمل المبدع المخلص، ويجلّ حملة لوائه ورافعي رايته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) [حديث حسن، صحيح الجامع 1880].
وتتأكد أهمية اقتناء سفينة إبداع للعاملين في الحقول الإسلامية في هذا الوقت بالذات، الذي تكالبت فيه العوائق والصعوبات، وتفاقمت فيه الانشطارات والانقسامات، وشحت فيه الموارد والمساعدات. والتفكير العلمي والإبداعي يضمن بالإخلاص والمتابعة التغلب على تلك المشاكل والأزمات، ويرسم طريقاً تعرف فيه الأولويات، وترسخ به الثوابت، وتميز به الصفوف، وتلتحم به العلاقات، وينهض به العمل الإسلامي، وتطيب ثماره، وتدار مشاريعه ومؤسساته، وتستكشف آفاقه ومجالاته.
وفيما يلي أهم المواد التي تسهم في صناعة سفينة الإبداع بشرط الالتزام بمصدر التلقي كتاباً وسنة وبعد توفيق الله ـ تعالى ـ وعونه:
1- الإيمان بأهمية صنع البيئة الإبداعية وبإمكانيته، وبضرورة انبثاقه من قوله ـ تعالى ـ: ((إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) [الرعد: 11]، الأمر الذي يحتم إحداث (انقلاب فكري) في العقل المسلم الجمعي والفردي على حد سواء، ينشأ معه انجذاب صادق للمعرفة لا للمعرفة ذاتها، ولا لتحصيل لذة عقلية، ولا للظفر بشهرة علمية، ولا لتحقيق رغبة دنيوية، وإنما هو انجذاب للمعرفة بقصد تطوير الذات وبنائها، لا للتطوير ولا للبناء ذاتهما أيضاً… وإنما للإبداع وللنهوض وللنماء وللعطاء.. المراد به وجه الله ـ تعالى ـ.
2- الإشاعة في العقل المسلم والإيحاء في ذاته أن (الإبداع عادة) تكتسب بشيء من البذل في تعلم وسائلها، والتلبس في خصائصها، والتدرب على تطبيقاتها.
3- تكييف العملية التعليمية والتربوية بما يجعلها دافعاً للإبداع ومحضناً للمبدعين، ومثل هذا التكييف يستلزم بالضرورة إعادة النظر في الأهداف التربوية، ومن ثم في وسائلها وبرامجها، بمعنى أنه يجب أن يكون إكساب المتربين طرائق التفكير العلمي والإبداعي من الأهداف الأساسية.
4- صياغة شعارات جذابة ترسخ أهمية الإبداع وتبشر بنتائجه وتحتفي بكل متلبس به، والاجتهاد في بثها وإذابتها في النفوس وتفعيلها في العقول.
5- تنظيم دورات ودروس في التفكير العلمي والإبداعي لمختلف شرائح العمل الإسلامي.
6- ضرورة تلبس المربين والمعلمين بخصائص الإبداع ـ ولو تكلفاً ـ تجسيداً للقدوة الصالحة.
7- الاحتفاء بالمبدعين وخاصة الأحداث منهم والاعتناء بهم وتقديرهم معنوياً ومادياً.
من تقنيات الإبداع الجماعي: العاصفة الذهنية(10):
هي طريقة تستخدم من أجل حفز الذهن لتوليد الأفكار (صممها أوسبورن في 1938م)، وتتلخص في طرح مشكلة معينة على مجموعة من الأفراد، يتولى إدارة تلك العاصفة واحد منهم يمتاز بأنه يستطيع:
* تهيئة المناخ المناسب لتوليد الأفكار.
* إثارة الآخرين لتقديم وعرض أفكارهم.
* الانتقال والربط بين أجزاء الموضوع المختلفة بشكل منطقي.
وتمر هذه العاصفة بالمراحل التالية:
أ – توضيح وتجزئة المشكلة: وذلك بتفتيتها إلى أجزاء ومطالبة المشتركين بالتفكير فيها.
ب – توليد وعرض الأفكار: وذلك بإتاحة الفرصة للمشتركين للانطلاق في توليد الأفكار، وفي هذه المرحلة ينبغي لمدير العاصفة الذهنية مراعاة ما يلي:
* عدم السماح لأحد بمهاجمة أفكار الآخرين أو الحكم عليها أو التعليق عليها إيجاباً أو سلباً.
* خلق مناخ يتقبل أي أفكار غريبة أو خيالية، وعدم إبداء أي نوع من السخرية تجاهها.
* التأكيد على أهمية توليد وعرض أكبر قدر ممكن من الأفكار.
* تسجيل الأفكار المطروحة بلا استثناء (يفضل تعيين أحد المشاركين للتسجيل).
ج – تقويم الأفكار المطروحة: وذلك بنقدها وتمحيصها وصولاً للفكرة المناسبة.
وتستغرق هذه العاصفة الذهنية عادة من 15 ـ 60 دقيقة بمتوسط 30 دقيقة، ويفضل أن يكون عدد المشاركين ما بين 5 ـ 7، ويجب ألا يزيد العدد عن 15 مشاركاً.
ويمكن استخدامها في المشكلات التي تتطلب حلولاً كثيرة كالمشكلات التجارية (مثل الإعلانات) والمشكلات التقنية (مثل كيفية استخدام الحاسب الآلي ومواصفاته) والمشكلات التربوية (مثل احتواء الشباب)، كما أنها أثبتت فعاليتها في مجالات البحث والتطوير &.
ولعله من المناسب في هذا السياق أن أشير ـ كدليل على أهمية الإبداع الجماعي لا سيما في المشكلات المعقدة ـ إلى أن اختراع (الترانزيستور) الذي أحدث ثورة إلكترونية ظهر كنتاج لإبداع جماعي… ولقد أكد عدد من المبدعين أن:
ـ (الجماعة تستوعب المشكلات أكثر).
ـ (لدى الجماعة تنمو ظروف الصياغة والإعداد المتكامل للمشكلات).
ـ (في إطار الجماعة تتسع دائرة الرؤية وتوزع المهام)… فهل نجتمع لنبدع؟!
وهذا لا يعني أن الإبداع يستحيل تحققه فيمثل تلك الحالات المعقدة إلا في إطار الجماعة، وإنما المقصود التأكيد على أهمية العمل الجماعي الإبداعي.
إبداع المدير… متى؟
إنه ليس ثمة شك في أن ما سبق من حديث عن الإبداع وجوانبه المختلفة يصلح للإنسان رجلاً وامرأة.. صغيراً وكبيراً.. مديراً ومداراً.. غير أن وظيفة المدير تنتظم أعمـالاً وأهدافاً ذات خصوصيـة وخطـورة بالغتـين تفرضان توجيه خطاب إبداعي خاص للمدير.. ومن هنا أقول:
إن المدير المبدع هو من يقود مؤسسته إلى النجاح ـ بعد توفيق الله ـ،… ويتلمس المشكلات التي قد تفترس ذلك النجاح… إذاً فالمدير المبدع هو من يتعرف على أسباب النجاح وقنواته ويتكلف في امتطائها.. إن عوامل النجاح في المؤسسات التجارية والتربوية والتعليمية تدور حول عوامل خمسة حث عليها الإسلام ورغب في استخدامها وتفعيلها في غير ما نص، وهذه العوامل هي:
1- الطاقم البشري: إن المدير المبدع يعرف كيف يستغل من تحته من الموظفين والعاملين، ويدرك مواهبهم وامتيازاتهم، ويفهم نفسياتهم ودوافعهم، ويحسن تشجيعهم ودفعهم، ويتقن تحريض أفكارهم واستفزاز إبداعهم، ويضمن تفاعلهم مع بنك المؤسسة الخاص باقتراحات التطوير واستشراف المستقبل.. في عام 1991م تمكنت شركة تويوتا من توفير مناخ خاص لموظفيها وعمالها نتج عنه تقديم 2 مليون اقتراح في ذلك العام بمعدل 35 اقتراحاً لكل واحد منهم، وقد استُفيد من 97% من تلك الاقتراحات.. فماذا عن مؤسساتنا والاقتراحات؟؟!!(11).
2- الوقت: يتصف المدير المبدع بالاستخدام الأمثل للوقت، ويعرف متى يجب أن يغير من الأساليب الإدارية والتنظيمية والنفسية، ويسرع في الاستجابة لطلبات العملاء، ويختار الوقت المناسب لإنزال المنتج الجديد، ويدرك أهمية الالتزام بالمواعيد..
3- الجودة: تشكل الجودة العالية قضية يوليها المدير المبدع اهتماماً كبيراً.. لا سيما في وقت اشتدت فيه المنافسة، واحتدم فيه البحث عن السلعة والخدمة ذات الجودة العالية في الجوهر والشكل والتصميم والحجم.
4- التكلفة: باتت إدارة التكاليف بغرض تخفيضها تشكل محوراً رئيساً لا في نجاح المؤسسات فقط، وإنما في قدرتها على البدء أو الاستمرار في العطاء.. ومن هنا فالمدير المبدع هو من يستطيع إقناع الجميع بصورة بلورة برنامج (تقشفي) لتخفيض التكاليف، مع ضمان تفاعلهم عند تنفيذه في الواقع.
5- الابتكار (الإبداع): القدرة على الابتكار وحمل الآخرين عليه وتوفير مناخه صفة هامة يتمتع بها المدير المبدع، وعلامة تميزه عن (مدير الجمود) و (رئيس التقليد)… إن المدير المبدع يدرك أهمية إقامة الدورات المتخصصة في الإبداع لموظفيه، ويعد الأموال المصروفة في ذلك استثماراً في أصول بشرية. أصبحت كثير من الشركات الكبرى مقتنعة بإمكانية وأهمية تعلم الإبداع، فشركة (جنرال إلكتريك) تفيد: (أن دورات الإبداع التي نظمتها لمديريها ومهندسيها أسفرت عن إدخال تحسينات جوهرية على بعض منتجاتها مثل جلايات الصحون وأدوات المطبخ، وشركة ميد تقول: (إن التدريب على الإبداع ساعدها كثيراً في تطوير نوع من الورق الناسخ الذي لا يحتاج إلى استخدام الكربون)(12).
تحامل المبدع على مجتمعه: بين الحقيقة والوهم:
يعتقد البعض أن المبدع لا بد أن تنطوي نظرته إلى المجتمع بمنظوماته المختلفة (المدرسة، المصنع، الشركة،… أو حتى المجتمع الكبير) على تحقير وازدراء، ينشأ معهما انكفاء على الذات قد يستحيل بعد فترة تطول أو تقصر إلى انطوائية تحمل بذرات عدائية، ويقول بعضهم: (يبدو لنا في كثير من الأحوال أن علاقة المبدع بواقعه لا تخلو من التوتر والصراع)(13)، كل هذا يحدث على حد هذا الاعتقاد بسبب:
* عدم تحقيق المجتمع للذات المبدعة وتهميش الأفكار غير المألوفة التي تنبثق منها ويتبنى المبدع الدعوة إليها أو طرحها.
* أو لسوء المعاملة من قِبَل أفراد أو مؤسسات المجتمع.
* أو لتخلف مناهج التفكير، أو للسطحية الثقافية.
ويخسر المجتمع من ثَـمّ ذلك المبدع وإنتاجه الخلاق.
وبتأمل ذلك الاعتقاد مع الاعتراف بوجود شيء من تلك الممارسات الجائرة التي يتعرض لها مبدع أو آخر، يتبين لنا مدى مجافاته للحقيقة وشططه عن الصواب وذلك:
* لأنه لم يُبنَ على دراسة علمية أو استقراء شامل للمبدعين الحقيقيين.
* لأنه انبثق من بيئة عقدية وثقافية تصادم بيئتنا العقدية والثقافية، كعبارة أرسطو: (إن المزاج السوداوي شرط لا بد منه للموهبة الخارقة)(14).
* إن المـبـــدع الحقيقي هو من ينبثق من مجتمعه المسلم منتمياً له، معايشاً لهمومه، رافضاً لأوجه الانحطاط العقدي والتأزم الثقافي.
* إن المبدع الأصـيـــــل هو من يتسم بالموضوعية في التفكير، والاعتدال في الحكم، فهو لا يشتط في حكمه على مجتـمـعـه ـ الصغير أو الكبير ـ، فإن كان ثمة ظلام فلا بد أن يختلط بضياء… وإن كان ثمة تخلف فـــلا محالة أن يمتزج بتقدم… وإن كان ثمة قسوة فلا جدل أن يتخللها عطف… وإن كان ثمة يأس فلا شك أن يغالبه تفاؤل…
* إن المبدع الحقيقي هو من يشعر بمـســؤولـيـتـه إزاء النهوض بمجتمعه؛ فالنهوض هو ما يدفعه إلى التألق في سماء الإبداع والإبحار في عالم المبدعين.
مناقشة التطبيقات العملية:
التطبيق الأول: (زيادة استهلاك إطارات الشاحنات):
أظنك قد توصلت إلى أن المشكلة تتمثل بالخـســـارة المترتبة على تغيير الإطارات في فترات قصيرة جداً، وذلك بسبب بيع السائقين للإطارات (سرقتها)، ولذا فيكمن الهدف في توفير تلك المبالغ من خلال إيجاد آلية تمنع السائقين مــن بيعها، وبعد قيامك بمثل هذا التفكير قد تتوصل إلى الحلول الجيدة التالية).
1- تحديد فترة زمنية معينة (6 أشهر مثلاً) كحد أدنى للاعتراف بتلف الإطارات.
2- مطالبة سائقي الشاحنات عند تلف الإطارات بتقديم الإطارات التالفة كشرح للاعتراف بذلك.
3- استبدال السائقين الحاليين بآخرين أكثر أمانة.
وربما تكون قد توصلت إلى أشباهها، ومــع جــــــودة مثل تلك الأفكار واحتمال مناسبتها للمشكلة، إلا أنها تظل حلولاً تقليدية، يستطيع الكثير منا أن يحدد العشرات منها،ولكننا نبحث هنا عن حلول إبداعية، لا أدري إن كنت قد توصلت إلى واحد أو أكثر منها!!
ما رأيك بالحل التالي:
يجــــب أن تقوم الشركة بتوفير إطارات لشاحناتها غير متوفرة في السوق… لماذا؟! لإزالة الفرصة التي تمكن السائقين من بيع الإطارات.
ألا توافق على أن هذا الحل إبداعي في حالة كونه ممكن التنفيذ، ومعقول التكلفة؟
ألا تلاحظ أنه يتميز على الحلول الأخرى؟
ألا تلاحـــــظ أن هذا الحل تجاوز بعض الأقفال الذهنية (الحدود المتوهمة)… كالقفل (كن عملياً)… إن الـكـثـيـر مـنـا قد يعيقه هذا القفل عن الوصول إلى مثال هذا الحل بحجة أنه يجب توفير الإطارات مما هــــو متوفر في السوق، مع أنه قد تتمكن الشركة من استيراد ما تريد من إطارات من الخارج.. وهــذا عـيـن مـــا حصل واقعاً في تلك الشركة… فهنيئاً لها إبداعها…
إن هذا الحل لا يعدو أن يكون حلاً إبداعياً من سلسلة طويلة من الحلول الإبداعية.. فأرجـو أن تكون قد لامست أحدها.. وإلا فيمكنك أن تعيد المحاولة، وأظنك بتوفيق الله ـ تعالى ـ ستنجح….
التطبيق الثاني: (تطبيق الدوائر التسع):
إن من لم ينجح في تجاوز القفل الذهني (التزم القواعد)،… كأن يكون حبيساً للمربع الذي وضعت فيه الدوائر التسع… فإنه لن يعثر على حل لهذا (اللغز الغامض)!!
من قال لك لا تخرج من قبضة ذلك المربع؟!.. من قال لك لا تتجاوز حدوده؟! من أخبرك أن الالتزام بمثل تلك الحدود من (اتباع القواعد)… لا أحد!! غير ذلك القفل!
لقد عرفت سابقاً أن من لوازم الإبداع الانطلاق (التفكير المنطلق) الذي لا يحده شيء… (إلا الضوابط الشرعية)…
هنيئاً لـك بالإبــــداع إن كنت قد تجاوزت ذلك القفل… ومرحباً بك إن عزمت على نزعه مستقبلاً…
إذاً بالإبداع نظفر بحلول رائعة لمشكلات قد يحكم عليها البعض بأنها (معضلات تستعصي على الحل)، ومن ثم المطالبة بضرورة الاستسلام والتكيّف معها!!
وأخـيراً أرجـــــو أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع الخطير، وأن يساهم في إكساب المنهجية العلمية في التفكير والإبداع،..
وختاماً: لنتذكر جميعاً مرة بعد أخرى:
أن التفكير السديد المنتج مهارة يكسبها التعلم، وعادة يصنعها التدرب.
الهوامش:
(1) د. إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية، ط 2، ج1، مادة بدع، 34.
(2) كلمة مفيد في التعريف هامة جداً، حيث إنها تتنكر لما يمكن تسميته بـ (إبداع العبث) !!، وهذا اللون من العبث يعد إبداعاً من الناحية اللغوية.
(3) د. عبد المجيد نشواتي، علم النفس التربوي، ص 134ـ135.
(4) أرجو إعادة قراءة منهج الإبداع مرة أخرى. وما ذهبت إليه إزاء منهج التفكير الإبداعي مشابه لما ذهب إليه هاريس Harris في 1959م، انظر: د. حلمي المليجي، علم النفس المعاصر، ص 191ـ192.
(5) Rogervon Oech, A Whack On The side of The Head – how you can be More Creative, P.38.
(6) أصل العبارة لبيكاسو، انظر سيكولوجية الإبداع، د. عبد العلي الجسماني، ص 26.
(7) ألكسندر روشكا، الإبداع العام الخاص، 50ـ58، د. فاخر عاقل، الإبداع وتربيته، ص 27ـ32، د. محمد عبد الغني، مرجع سبق ذكره، ص 88 ـ 93.
(8) نبيل عبدالفتاح، مرجع سبق ذكره، ص 60 ـ 61، د. كمال أبو سماحة وآخرون، مرجع سبق ذكره، ص 21 ـ 26.
(9) نهاد درويش، الحيل النفسية، ص 14ـ23.
(10) ألكسندر روشكا، ص 181 ـ 187، د. محمد عبد الغني، مهارات التفكير الإبداعي، ص 40 ـ 50.
(11) Horngren, Cost Accounting, Prentice Hall Inc. 1994, P.200.
(12) زهير المزيدي، مقدمة في منهج الإبداع، رؤية إسلامية، الوفاء للنشر، 1413هـ، ط 1، ص 166.
(13) د. عبد الستار إبراهيم، آفاق جديدة في دراسة الإبداع، وكالة المطبوعات، الكويت، ص 109.
(14) دين سايمنتن، ت: د. شاكر عبد الحميد، العبقرية والإبداع والقيادة، ص 94.
0 التعليقات:
إرسال تعليق