السبت، 25 فبراير 2012

اتحاد المغرب العربي: هل نحن إزاء العنصرية باسم التعددية؟

الوزير المغربي يحرف المسار

لا شك أنه قد ترتب عن الثورات العربية الكثير من النتائج الإيجابية التي لم يكن ينتظرها كبار الدارسين والراصدين للمنطقة العربية؛ ويمكن أن ندرج ضمن تلك النتائج خلخلة بنيات الاستبداد وكسر حاجز الخوف لدى الشعوب العربية، بحيث لم تعد قبضة الأنظمة الحديدية تجدي في إخماد الحراك الشعبي. وربما كان من ثمرات هذا الحراك في المنطقة المغاربية طرح فكرة اتحاد المغرب العربي من جديد بمبادرة من الرئيس التونسي، وهو ما تجسد في أول اجتماع لوزراء الخارجية الذي احتضنه المغرب بتاريخ 18 فبراير والذي أعلن فيه سعد الدين العثماني وزير الشؤون الخارجية المغربي عن موقف غريب، دعا من خلاله إلى تغيير اسم الاتحاد من اتحاد "المغرب العربي" المعتمد بشكل رسمي، وتعويضه باسم "الاتحاد المغاربي"، وذلك بحجة الطابع التعدّدي لهوية بلدان شمال إفريقيا التي تضمّ مكونات بشرية ولغوية وثقافية متعددة. غير أنّ هذا الاقتراح المتسرع والهش، لقي معارضة وزراء كل من تونس وليبيا والجزائر، استنادا إلى أن صفة "العربي" لا علاقة لها بالبعد العرقي، بل هي تحيل على ما هو لغوي وثقافي وحضاري، ولأن صفة العربي جزء من تراث كل هذه المكونات البشرية التي يتحدث العثماني باسمها.

تغيير المواقف بتغير "المقامات"

ولفهم هذا العداء الذي أظهره الوزير المغربي سعد الدين العثماني المنتمي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي لنعت "العربي"، يجب استحضار مجموعة معطيات ذات علاقة بمواقفه السابقة من الملف اللغوي والثقافي في المغرب، وهي في أغلبها تتسم بالتقلب الفجائي الذي لا يمكن فهمه إلا بوصفه تغليبا لمنطق القبيلة على منطق المواطنة، وتغليبا للانتماء الضيق على حساب الانتماء الواسع الذي يلقي جسور التواصل بين مكونات المغاربة جميعا ومكونات الفضاء المغاربي، وهو الانتماء المتمثل في المكون العربي بالمعنى اللغوي والثقافي والحضاري، كما دافع عنه وزراء الدول المغاربية الأخرى وعلى رأسهم الوزير التونسي توفيق عبد السلام.

وللاقتراب من موقف الوزير المغربي يكفي الإشارة إلى أنه ساهم في النقاش الذي احتدم سنة 2003 حول حرف كتابة الأمازيغية الذي كانت تتجاذبه ثلاثة تيارات؛ أحدها يدافع عن كتابتها بالحرف العربي والثاني بالحرف اللاتيني والثالث بحرف تيفيناغ الفينيقي، وقد كان أغلب أعضاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذين يتمسكون اليوم بحرف تيفيناغ، يدافعون عن الحرف اللاتيني حتى يقطعوا كل صلة للأمازيغية باللغة العربية. وفي خضم هذا الصراع كان العثماني من المدافعين عن كتابتها بالحرف العربي، وأذكر أنه في أحد اللقاءات دافع عن موقفه هذا وأعطى كمثال على ذلك اللغة الفارسية التي تكتب منذ قرون في إيران بالحرف العربي، على الرغم من أن لها حرفها الأصلي الفهلوي الذي استغنى عنه الفرس لصالح الحرف العربي، لإيحاءاته ولقدرته على تمثل أصوات هذه اللغة التي تجر خلفها تراثا ضخما.

وقد ظل هذا هو موقفه وموقف حزبه، إلى أن حل الاصلاح الدستوري الذي عرض للاستفتاء بتاريخ 1 يونيو 2011 والذي جاء نتيجة للثورات العربية، إذ هنا انقلبت مواقفه بمعدل 180 درجة، وتحول إلى المطالبة بترسيم "الأمازيغية" (أية أمازيغية؟) بدل وطنيتها، لتتحول العربية إلى لغة طائفة دون طائفة أخرى بحكم الدستور، كما أصبح من مناصري حرف تيفيناغ الذي تحول في يوم وليلة إلى حرف معتمد من طرف الحزب الذي ينتمي إليه، واليوم "يرتقي" السيد العثماني وحزبه درجة أخرى في تبني مواقف الاتجاهات النزوعية المتطرفة، ليعلن رفضه لصفة "عربي" وليدخل اتحاد المغرب العربي في مسار منحرف يؤخر ولا يقدم، وكل ذلك باسم التعددية والديمقراطية.

المسكوت عنه في القضية

أشير إلى أنه ما من مبدأ نبيل في تاريخ الإنسانية إلا وتم استغلاله من طرف مجموعة أشخاص وتحريفه عن مساره، ليتحول إلى مبدأ يحاول البعض أن يحقق بواسطته أخس الأهداف وأقبحها. وهي أهداف يعمل أصحابها على إظهارها بمظهر براق يخفي ما تنطوي عليه من مخاطر على المجتمع راهنا ومستقبلا. هذا ما ينطبق على هذه الحالة، وتحديدا على بعض الذين يستغلون الأمازيغية لأهداف إيديولوجية صرفة تنشر الكراهية والحقد بين مختلف مكونات المجتمع الواحد، مع رفع مبدأ التعددية والديمقراطية بوصفه الغطاء الذي يهب الشرعية لهذه "المطالب" التي تتناقض جملة وتفصيلا مع الديمقراطية، والتي لم يعد من المقبول السكوت عنها أو التساهل معها، بعد أن أصبحت موقفا يعلن بشكل رسمي ضدا على إرادة الأغلبية الصامتة.

وللتذكير فقط فإن موقف الوزير المغربي سعد الدين العثماني، هو تعبير عن رأي نخبة من النشطاء الذين ينسبون أنفسهم للأمازيغية، والذين لا يملون من ترداده في كل المناسبات، لدرجة أصبح مثار استغراب من قبل من لم يسبق له أن طرق سمه. وهذا المطلب العنصري الذي يرفعه أصحاب هذا التيار الأمازيغي المتطرف (النزوعي)، والذي يُسَوق له العثماني اليوم على المستوى المغاربي، يجد أسسه في التراث الاستعماري الفرنسي الذي كان يسميه الضباط الفرنسيون بـ"السياسة البربرية" "Politique berbère". وانطلاقا من هذا الموقف الشاذ تتم إدانة تسمية "المغرب العربي" والاحتجاج على استعمالها في بعض البرامج أو المقررات المدرسية، وتبلغ العنصرية بالبعض إلى درجة الاحتجاج على انخراط المغرب في جامعة الدول العربية، بل أكثر من ذلك فإن كل مؤسسة تحمل هذه الصفة تحرك هذه العقدة الدفينة، وتثير لديهم نوعا من الحقد الذي يلزمنا أن نفهم خلفياته ومراميه.

التاريخ يعيد نفسه

والحقد بالذات على تسمية "المغرب العربي" يجد أصله في هذا التراث الاستعماري الذي ألمحنا إليه، فمعلوم أن أحد الذين هددوا الاستعمار الإسباني والفرنسي في المغرب هو الأمير محمد عبد الكريم الخطابي الأمازيغي. فبعد سلسلة ملاحم في مواجهة المستعمرين انتهى به المطاف منفيا في مصر، وهناك لم يتوقف الرجل عن المقاومة، وكان من أبرز المبادرات الكفاحية التي قام بها تأسيسه لهيئة سمحت له بأن يجمع حوله الكثير من مقاومي الاستعمار المغاربيين، كما سمحت له بتوحيد جهودهم وخلق نوع من التنسيق بين حركات التحرير في مختلف الدول المغاربية. وقد أطلق عبد الكريم على هذه الهيئة تسمية "لجنة تحرير المغرب العربي" وذلك سنة 1948، وهذه اللجنة لم تقف عند هذا الحد بل استفادت من الدعم العربي وتحولت إلى ممثل شرعي للمقاومة.

لقد كانت صفة "العربي"، نظرا للحمولة الثقافية العميقة التي تحملها، وللامتداد السياسي والجغرافي الذي تنطوي عليه، صفة مقلقة بالنسبة للمستعمر، لأنها أولا تقف حجر عثرة في وجه هيمنة الثقافة الفرنسية وتحول دون تحويل المغرب العربي إلى مغرب فرنسي، على غرار كثير من دول إفريقيا السوداء، ولكونها تحطم الحدود بين مختلف دول المنطقة وتسمح للمقاومة أن تنسق ضرباتها، لكنها مع اللجنة التي أسسها الأمير والتي أطلق عليها صفة "العربي" أحدث بذلك نوعا من الرجة لدى الساسة الفرنسيين، لأن معنى ذلك فتح جبهات مقاومة متعددة في آن واحد وربط استقلال كل قطر بالقطر الآخر، بينما المستعمر كان من مصلحته أن يفاوض كل طرف على حدة (فرق تسد) وأن يمرر مخططاته من منطلق قوة وليس من منطلق ضعف. ولذلك فقد كان من أولوياته أن يقصي هذه الصفة (عربي) وأن يعيد قراءة التاريخ بشكل عنصري.

والواقع أنه يجب الاعتراف أن هذا الهدف قد أنجز أكاديميا من طرف المؤرخين والسوسيولوجيين التابعين للجيش الفرنسي، كما عملت الأجهزة المؤسسات الاستعمارية على نشره على نطاق واسع بين ساكنة جهات المغرب، وذلك بالتركيز على التمييز بين الأمازيغي والعربي وتضخيم ذلك على حساب المشتركات، وتضخيم مواطن الصراع التي وقعت في محطات تاريخية لأسباب دينية أو سياسية وإعطائها بعدا عرقيا... هذا الذي فعله المستمر هو ما نجد بعض آثاره فيما يقوم به اليوم بعض نشطاء الأمازيغية والذين دشنوا هذا المسلسل بفرض حرف غريب على المغاربة يزيد في تعقيد المنظومة التعليمية، بحيث سيكون على الطفل المغربي تعلم ثلاث أبجديات؛ أي ما يقرب من مائة حرف كل منها يختلف عن الآخر، يدعمه في تحقيق ذلك عَلَم ينافس العلم الوطني مرتبط بطائفة دون أخرى، بالإضافة إلى مواقف سياسية معادية للقضايا العربية والتي يراد تجذيرها بإقصاء صفة "عربي" من مجالنا التداولي المغاربي.

صفة "العربي" إذن كانت تشكل خطرا على الاستعمار ومازالت، وكانت تعتبر خطرا حقيقيا على وجوده في المغرب العربي، لذلك كان طبيعيا أن تشن الحرب على كل ما له علاقة بالعربية حتى ولو تعلق الأمر بمجرد صفة، لأن النعوت والصفات حسب منظري السياسة الاستعمارية - وهم محقون في ذلك - يمكن بواسطتها تغيير مجرى التاريخ وقلب الموازين لصالح المقاومة المغاربية التي قد يربط بين مكوناتها خيط العروبة التي كانت في المغرب العربي ذات معنى ثقافي وديني وحضاري كما يؤكد ذلك المفكر محمد عابد الجابري بعيدا عن كل حمولة عرقية، على عكس ما يحاول إشاعته الوزير المغربي سعد الدين العثماني وقبله بعض النزوعيين، بهدف زرع الطائفية في التربة المغربية والإجهاز على اللغة العربية وعلى كل ما يرتبط بها.

حشر العربية في زاوية ضيقة

إن هذه الخلفية التاريخية التي أنتجت هذه الفكرة العنصرية، تقف على طرفي نقيض مما نجده لدى غالبية الناطقين بالأمازيغية الذين اكتست لديهم تاريخيا صفة "عربي" قيما إيجابية بسبب ارتباطهم الوثيق بالثقافة العربية، وذلك راجع لكون الناطق بالأمازيغية قبل دخول الاستعمار على خط التاريخ المغربي، نظر لنفسه في جزء منه بوصفه عربيا تمزغ أو أمازيغيا تعرب، من هنا نفهم سر عدم وجود تلك العقدة التي يحاول اليوم ترسيخها بعض العنصريين ممن يدعون تمثيل الأمازيغية. فالناطق بالأمازيغية تاريخيا ووجدانيا، لم تكن له أية مشكلة تجاه ما هو عربي، والموقف الذي عبر عنه الوزير يبقى مجرد موقف نخبوي وليد المرحلة الاستعمارية التي عملت ما في وسعها للفصل والوصل، فصل الناطق بالأمازيغية عن الناطق بالعربية من جهة، ووصله بالناطق بالفرنسية باعتبار الفرنسية لغة كانت تهيء نفسها وما زالت لأخذ مكان العربية على مستوى وجدان المغاربة، بعد أن أخذت مكانها على مستوى الوظائف إذ هي التي تسيطر على الاقتصاد وعلى الإعلام وعلى مستوى الخدمات. والهدف في نهاية المطاف هو نشر الطائفية لإعاقة التنمية، إذ لو كانت الفرنسية قادرة على تحقيق التنمية كما يزعم البعض لكانت حققتها في أكثر من دولة إفريقية رُسِّمت فيها دستوريا منذ عشرات السنين.

إن تحريك مثل هذا "المطلب" الذي أثار استغراب وزراء الدول المغاربية الأخرى، ليس المقصود منه إنصاف الناطقين بالأمازيغية الذين يعتبرون اللغة العربية لغتهم التي يعتزون بها إلى جانب الأمازيغيات، بل القصد منه التضييق على العربية وحشرها في زاوية ضيقة، وإقامة حاجز بين المكونات اللغوية للمجتمعات المغاربية، ودفع كل مكون للانغلاق على ذاته ليضطر مستقبلا إلى اللجوء للترجمة لفهم جاره. وعلاقة بهذه النهاية المحتملة التي يؤسس لها النزوعيون بدعواتهم العنصرية التي تتخفى في أردية حقوقية، أشير إلى أن المجموعة الأوروبية وعلى عكس اتحاد المغرب العربي، صرفت سنة 2005 وحدها ما يفوق 511 مليون أورو على الترجمة لتحقيق التواصل فيما بينها في الجلسات والاجتماعات، وهو مبلغ لا يتوقف عن التصاعد كل سنة.

نختم بذكر هذه الحقيقة ونهمس في أذن السيد الوزير المغربي قائلين: دع عنك صفة "العربي" التي تحيل على الثقافة والحضارة وعلى اللغة العربية، فهذه الأخيرة على الأقل تتيح لك التواصل مجانا مع ما يفوق 80 مليون نسمة، إذا ما توقفنا عند حدود المغرب العربي، كما تتيح لك التواصل مع ما يناهز 400 مليون نسمة، إذا ما احتسبنا ساكنة الوطن العربي ككل. فهل من الإنصاف أن ننشر كراهية هذه اللغة وكراهية ما يرتبط بها من نعوت وإيحاءات وصفات ونقلب لها ظهر المجن !!؟

هسبريس

idrissy@gmail.com

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة