الجمعة، 30 أغسطس 2013

حوار مع الأستاذ محمد أولوة : أزمة التعليم العمومي وآفاق إصلاحه، حصيلة بعض اللقاءات مع وزارة التربية الوطنية وأجواء الدخول المدرسي الحالي.





حوار صحفي مع الرفيق محمد أولوة عضو المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل،  حول أزمة التعليم العمومي وآفاق إصلاحه، حصيلة بعض اللقاءات مع وزارة التربية الوطنية وأجواء الدخول المدرسي الحالي.




1) في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، انتقد الملك التدبير الحكومي لملف التعليم، متأثرا بواقعه الحالي، حيث وصف وضع التعليم العمومي بالأسوء، فما رأيكم؟
 ما جاء في الخطاب الملكي هو تأكيد لموقف الجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل من خطورة الأزمة الكارثية التي يتخبط فيها النظام التعليمي، وتفنيد للمحاولات اليائسة الرامية إلى تحميل نساء التعليم ورجاله مسؤولية وتبعات الفشل الذريع للسياسة التعليمية المتبعة منذ عقود وانعكاساتها الكارثية على المدرسة العمومية... مضامين الخطاب تؤكد كذلك قناعة الجامعة الوطنية للتعليم ومبدئها الراسخين منذ تأسيسها، ألا وهما اعتبار المسألة التعليمية قضية وطنية ومصيرية، وليست قضية وزارة محددة أو حزب سياسي معين، بحيث أكدت الجامعة وتؤكد دوما على واجب الدولة في ضمان التربية والتعليم كخدمة عمومية، وحق دستوري، في إطار من تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة المعرفية بين جميع أبناء الشعب المغربي، وعلى تطوير المنظومة التربوية وجعلها باستمرار ملائمة للحاجات الآنية والمستقبلية للبلاد، وتحسين أداء المدرسة العمومية والرفع من مستواها لجعلها قادرة على مواكبة التحديات المطروحة في مجالات تطوير الإنتاج وقواه، والنهوض بالعلوم والتكنولوجية، اعتبارا لما للتعليم العمومي من دور استراتيجي وحاسم في مصير الوطن ووحدته, وفي تنمية البلاد ونهضتها الشاملة. 

2) إلى ماذا تعزون تدهور التعليم العمومي و فشل المحاولات المتتالية لإصلاح المنظومة التربوية بالمغرب؟
من جهة تكمن بالأساس جذور هذا التدهور وفشل جميع المحاولات الإصلاحية للتعليم في اختيارات الدولة، التي ظل هاجسها هو التخلص من التعليم كخدمة عمومية بمنظور تقنوقراطي مالي، ضيق، خاضع لإملاءات الدوائر المالية الدولية وضغوطاتها القاضية بتقليص الاعتمادات المتعلقة بالقطاعات الاجتماعية، وفي مقدمتها قطاع التعليم، حيث ترك التعليم العمومي يغرق في مشاكله ويتفكك في نفس الوقت الذي يتم فيه التشجيع بسخاء لكافة أشكال التعليم الخصوصي، وهو ما شكل تراجعا عن مبدأ مجانية التعليم وعرقلة كبيرة أمام تكافؤ الفرص بين جميع أبناء الوطن، وتكريسا للنخبوية والتمييز الاجتماعي بكل مظاهره. أما من جهة أخرى، فبالرغم من شعارات الإصلاح الاستهلاكية والتبذير المهول للمال العام في مخططات ومواثيق وبرامج فاشلة، فإن استفحال أزمة المنظومة التربوية وتعمق اختلالاتها وما آلت إليه المدرسة العمومية من تدهور، مرده إلى انعدام رؤية استراتيجية واضحة لدى الوزارة لتدبير هذا القطاع الحيوي والمصيري وإلى افتقارها لأي تصور إصلاحي للمناهج والبرامج، ترقى بالمدرسة العمومية إلى مستوى الاستجابة لتحديات العصر وتطوراته العلمية والتكنولوجية ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن إهمالها للطاقات البشرية المكونة لأسرة التربية والتعليم والتكوين كدعامات أساسية لأي إصلاح حقيقي منشود، وسوء تدبير شؤونها، وعدم الاهتمام بها من حيث التكوين الجيد وتوفير وسائل العمل الضرورية والبيئة التربوية السليمة واللائقة للتدريس، وتحسين أوضاعها الاجتماعية والمادية والمهنية.
3) هل في اعتقادكم أن تغيير وزير التعليم بوزير آخر في ظل الحكومة الحالية أو في نسختها الثانية المرتقبة سيمكن التعليم العمومي من تجاوز أزمته البنيوية؟
شخصية الوزير ومستواه التكويني وأسلوبه في تسيير القطاع وامتلاكه المهارات الكافية لتدبير شؤونه مهم جدا، ولكن المسألة أبعد من ذلك، بحيث لا يمكن الحديث عن حل أزمة التعليم بانفصال عن ضرورة تجاوز فشل الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة. فإنجاز الإصلاح الحقيقي المنشود، يستوجب بالضرورة إحداث قطيعة جذرية مع كل المقاربات والاختيارات التي أدت إلى اختناق النظام التعليمي المغربي. وهذا يتطلب إقرار سياسة اجتماعية حقيقية، وتوفر إرادة سياسية صادقة لإرساء دعائم نظام تعليمي ديمقراطي، يضمن لأبناء الجماهير الشعبية حقهم في تعليم عمومي جيد، باعتبار أن التعليم يمثل ميدانا هاما لامتحان مدى حقيقة البعد الاجتماعي لأية اختيارات سياسية، بمعنى أن السياسة التعليمية هي انعكاس لسياسية الدولة المطبقة في القطاعات الأخرى، وهذا يستدعي بالضرورة إيقاف الهجوم على القدرة الشرائية لعموم المواطنات والمواطنين، ذلك أن التعليم على عكس ما تصوره السياسة الرسمية وكأنه مفتوح للجميع، فإنه في الحقيقة هو في متناول من استطاع إليه سبيلا فقط، لأن المتطلبات المادية لتعليم الأبناء تزايدت، والأوضاع الاجتماعية تفاقمت، والجماهير الشعبية لا تقف عاجزة فقط أمام مستلزمات تعليم أبنائهم بل أمام أبسط حاجيات العيش في حده الأدنى. ووعيا من الجامعة الوطنية للتعليم بخطورة واقع التعليم العمومي وما آل إليه بكل أسلاكه، من انحطاط وانهيار، باعتراف من أعلى سلطة بالبلاد، فإنها كانت دائما تدق ناقوس الخطر وتدعو في كل مناسبة إلى فتح حوار وطني لتقييم السياسة التعليمية المنتهجة وتشخيص بدقة أعطاب المنظومة التربوية بأكملها انطلاقا من مقاربة مسح شمولي عمودي وأفقي لكافة مصادر خلل النظام التعليمي ومظاهره، وأسباب توالي إخفاقات محاولات الإصلاح السابقة، واستشراف آفاق تجاوز الأزمة البنيوية التي يتخبط فيها التعليم العمومي وتحديد أسس إصلاحه لإنقاذه من الانهيار التام. وفي هذا السياق لا بد من التأكيد كذلك على أن الإصلاح الحقيقي للمنظومة التربوية رهين بسن سياسة تعليمية ترد الاعتبار لنساء التعليم ورجاله ولرسالتهم التربوية النبيلة بما يستجيب لمطالب كافة فئاتهم، وإصلاح الوضع المزري للمؤسسات التعليمية وحماية حرمتها، وتوفير الأطر التعليمية الكافية مع ضمان تكوينها الجيد والمستمر وتحفيزها وإحاطتها بما تستحقه من تقدير وعناية وارتقاء بمكانتها الاجتماعية، وتشجيع الفكر النقدي الحداثي والعقلاني عوض المضامين المتخلفة والغيبية التي تهيمن في البرامج والمقررات الدراسية.
4) دعت وزارة التربية الوطنية إلى لقاءات مع النقابات التعليمية خلال الموسم الدراسي الماضي، فما هي النتائج والمكاسب التي أسفرت عنها؟ وما هي حيثيات قرار انسحاب الجامعة الوطنية للتعليم وإعلان مقاطعتها لبعض اللقاءات الأخيرة؟
للأسف الشديد لم تسفر تلك اللقاءات عن أية حصيلة تذكر، بل كانت خلاصاتها مخيبة لانتظارات العاملين بقطاع التعليم ولم ترقى نتائجها إلى الحد الأدنى من الاستجابة للمطالب الأساسية والملحة لعموم الفئات التعليمية. ذلك أن أجوبة الوزير كانت في مجملها سلبية سواء بالنسبة لاستكمال تنفيذ بنود اتفاق 26 ابريل 2011 أو الزيادة في الأجور والتعويضات أو اعتبار العالم القروي مناطق مستوجبة للتعويض المادي أو معالجة ثغرات النظام الأساسي وحذف الساعات التضامنية، أو الترقية بجميع الشهادات بدون قيد أو شرط أو إحداث إطار خاص بالمديرات والمديرين أو استرجاع الاقتطاعات المالية الجائرة من أجور المضربين أو دمقرطة الشأن التعليمي وتخليقه أو فتح ملف إصلاح المنظومة التعليمية، ناهيك عن اعتماده أسلوب التسويف والمماطلة في معالجة باقي الملفات المطلبية الفئوية الأخرى... فالخلاصة الممكن تسجيلها من خلال تلك اللقاءات هي غياب إرادة حقيقية لدى الوزارة في التعاطي الايجابي الجدي والمسؤول مع المطالب العادلة والمشروعة لكافة الفئات التعليمية، وأن لا جدوى من الحوار بمنهجيته الحالية مع وزارة متشبعة بنزعة التحكم والانفراد بالقرارات والمركزة المفرطة لأبسط الإجراءات وفرض الأمر الواقع وتهميش النقابات في تدبير الشأن التعليمي سواء في شقه التربوي أو في جانبه المتعلق بقضايا الموارد البشرية. وهو ما جعل الجامعة الوطنية للتعليم ترفض تزكية تلك اللقاءات الشكلية والعقيمة, وتقرر انسحابها ومقاطعتها للقاءات الأخيرة مع الوزارة، إلى حين إقرار هذه الأخيرة الالتزام باحترام شروط  وقواعد الحوار الحقيقي مضمونا ومنهجية، بما يضمن الالتزام الوزاري بالأجرأة العملية لكل الاتفاقات، والاستجابة الفورية لمطالب مختلف فئات الشغيلة التعليمية بجميع الأسلاك، واحترام الحريات النقابية وحق الاحتجاج والإضراب مع استرجاع المبالغ المالية المقتطعة جورا عن أيام الإضرابات، واعتماد تدبير ديمقراطي تشاركي لمختلف القضايا التي تهم قطاع التعليم  وضمنها ورش إصلاح المنظومة التربوية.
 5) هل يمكن أن نستنج من جوابكم هذا، أن انطلاق الموسم المدرسي الحالي سيتم في أجواء ساخنة؟ وماذا سيكون موقفكم في الجامعة الوطنية للتعليم؟
    بالتأكيد سيكون ملتهبا وليس ساخنا فقط، وذلك بالنظر لما تعرفه الساحة التعليمية من توتر واحتقان لم يسبق لهما مثيل، جراء ازدياد مشاكل القطاع وتفاقم معانات العاملين به والذي زاد من حدتها، كما سبق الذكر، تجاهل وزير التربية الوطنية لمطالب عموم فئات نساء التعليم ورجاله واستخفافه بنضالاتها، وهجومه على العمل النقابي وعلى حق الاحتجاج والإضراب، وتجاوزه المستفز للنقابات التعليمية بالانفراد في تمرير المذكرة الإطار للحركة الانتقالية، التي نتج عنها حيف كبير في حق المئات من ذوي الاستحقاق في الانتقال، وخيبة أمل العشرات من الحالات الاجتماعية والمرضية في الاستقرار العائلي والتخفيف من المعاناة النفسية والصحية واستخفافه بالأزمة البنيوية المستدامة لتعليمنا الوطني...، ناهيك عن تنزيله الانفرادي لمذكرات أخرى تجهز على مكتسبات الشغيلة التعليمية، وتقزيمه لدور النقابات وحصره في لجنة المنازعات، واتخاذه لإجراءات إدارية تعسفية وترهيبية ضد العديد من نساء ورجال هيئة التدريس والتأطير التربوي، واستمراره في إذلال الأطر التعليمية والإدارية والتشهير بها والمس بكرامتها، وتأليب الرأي العام ضدها، ناهيك عن قراراته المزاجية وتصريحاته اللامسؤولة التي تنم عن العداء لأسرة التعليم، وسوء تدبيره للشأن التعليمي التي لن تزيد توتر أجواء الدخول المدرسي إلا تأجيجا، مما سيكون له للأسف الشديد، انعكاسات وخيمة وتبعات سلبية على السير العادي للدراسة. أما عن موقفنا في الجامعة الوطنية للتعليم فالوضع يقتضي المواجهة بكافة الأشكال النضالية، وبالتالي فلا خيار أمامنا كنقابة إلا اللجوء إلى الاحتجاج والنضال لصون مكتسبات الشغيلة التعليمية وانتزاع مطالبها وحمل المسؤولين القائمين على تسيير قطاع التربية الوطنية على إرجاع العديد من الأمور إلى نصابها، وهو ما يلخص الغاية الأساسية لوجودنا التنظيمي كجامعة وطنية للتعليم ويجسد إخلاصنا لقضايا الأسرة التعليمية والوفاء لمطالبها العادلة والمشروعة.

حاوره: محمد سعيد الطريشـن

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة